للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تقديم ما حقه التأخير يفيد الحصر]

قال الشارح رحمه الله: [وأراد المصنف رحمه الله بهذه الترجمة بالآية: بيان أن التوكل فريضة يجب إخلاصه لله تعالى فإن تقديم المعمول يفيد الحصر، أي: وعلى الله فتوكلوا لا على غيره، فهو من أجمع أنواع العبادة وأعظمها].

قوله: (تقديم المعمول يفيد الحصر)، أي: المعمول الذي عمل به عامل، والمعمول: هو الفضلة الذي يكون معمولاً لفعل، يعني: مفعول، فتقديم المفعول على الفاعل يفيد الحصر؛ لأن حق المفعول أن يتأخر وأن يكون الفاعل متقدماً على وضع اللغة، وإذا قدم ما حقه التأخير فلابد أن يكون لأمر مقصود، والأمر المقصود هو الحصر، فيكون التوكل على الله هذا معناه فقط، وهو مثل قوله جل وعلا: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} [الفاتحة:٥]، لو كان في غير القرآن لجاز أن تقول: نعبدك يا الله! على وضع اللغة، فإذا قدم ما حقه التأخير أفاد الحصر يعني: حصر العبادة على الله فقط ولا يجوز أن تكون لغيره، وهكذا في هذه الآية: {وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا} [المائدة:٢٣]، العامل هو توكلوا، والوضع اللغوي الطبيعي هو: توكلوا على الله، فلما قدم الجار والمجرور الذي هو معمول للفعل دل على الحصر وأنه يجب أن يحصر التوكل على الله وحده.

ومعنى ذلك: أنه لا يجوز أن يتوكل على مخلوق مهما كان، سواء كان نبياً أو كان ولياً أو ملكاً أو غير ذلك، ويجب أن يكون التوكل على الله وحده فقط، وهذا من الأدلة على وجوبه، وأنه عبادة خاصة بالله جل وعلا لا يجوز جعل شيء منه لمخلوق، فإن جعل شيئاً من التوكل لمخلوق فإن ذلك من الشرك الأكبر الذي إذا مات عليه الإنسان -نسأل الله العافية- يكون من أهل النار خالداً فيها.