للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[سبب تقسيم التوحيد إلى ثلاثة أقسام]

وأما التقسيم بهذه الصورة فليس فيه آية أو حديث، ولم يكن العرب إذ ذاك يحتاجون له، وإنما احتجنا إلى هذا التقسيم في زماننا لما كنا نجهل كلام العرب وفسدت ألسنتنا واختلط كلامنا بكلام العجم، وصرنا نحتاج إلى أن نتعلم اللغة كما نتعلم الشيء الغريب، مع أننا عرب في الأصل، ولكن عربيتنا فسدت؛ لأن الألسن تداخلت وضاعت القواعد التي كان عليها العرب، وإلا فإن العرب لم يكونوا يحتاجون تعلم اللغة، بل لو حاول واحد منهم أن ينطق باللحن ما استطاع.

وقد ذكر: أن معلماً للصبيان في القرون الأولى -الصبيان كانوا عرباً والمعلم غير عربي- كان يلقنهم القرآن! فصار يلقن واحداً منهم ويقول له: قل: تبت يدا، فيقول الصبي: تبت يدان، فيضربه ويقول: قل تبت يدا، فما يستطيع أن يقول: تبت يدا، بل يأتي بالمثنى: تبت يدان، فرآه رجل عربي وقال: هذا عربي، انطق بالمضاف إليه حتى يستطيع أن يتكلم به، أما بهذا الشكل فما يستطيع، فقال له: قل تبت يدا أبي لهب وتب، فنطق بها كما قال؛ لأن هذه سليقته.

وسمع عربي مؤذناً يقول: أشهد أن محمداً رسولَ الله فصار يقول: ما له؟ لأنه ما جاء بالخبر؛ حيث نصب الخبر فصار اسم أن: (محمداً رسولَ)، فيكون (رسولَ) منصوباً على أنه بدل من (محمداً) والخبر لم يذكر، ولذلك لابد أن يقول: أشهد أن محمداً رسولُ الله برفع (رسول) حتى تتم الجملة ويصير الكلام عربياً، أما إذا نصبه كما هي عادة كثير من المؤذنين فإن هذا لا يكون مفيداً ولا يكون كلاماً عربياً.

المقصود: أن هذا التقسيم احتيج إليه لما جهل الناس كثيراً من معاني كلام الله ومعاني كلام رسوله صلى الله عليه وسلم، وهو تقسيم سبري، يعني: سُبر القرآن وتُتبع فأُخذ ذلك التقسيم من آيات متعددة.

قال الشارح رحمه الله: [وقوله:: {رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً} [المزمل:٩]، والآيات في الأمر به كثيرة جداً.

قال الإمام أحمد رحمه الله: التوكل عمل القلب.

وقال ابن القيم رحمه الله في معنى الآية المترجم بها: فجعل التوكل على الله شرطاً في الإيمان فدل على انتفاء الإيمان عند انتفائه، وفي الآية الأخرى: {وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ} [يونس:٨٤]، فجعل دليل صحة الإسلام التوكل.

ولا فرق بين هذه الآية والتي قبلها (إن كنتم مسلمين) و (إن كنتم مؤمنين)؛ لأن الإسلام إذا ذكر وحده مفرداً دخل فيه الإيمان، وإذا ذكر الإيمان وحده مفرداً دخل فيه الإسلام، أما إذا جاء الإسلام والإيمان معاً فالإسلام يفسر بالأعمال الظاهرة والإيمان يفسر بالأعمال الباطنة، والتي هي أعمال القلب.