للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[إجماع أهل السنة على أن الإيمان يزيد وينقص]

قال الشارح رحمه الله: [قوله: {وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانَاً} [الأنفال:٢]: استدل الصحابة والتابعون ومن تبعهم من أهل السنة بهذه الآية ونظائرها على زيادة الإيمان ونقصانه.

قال عمير بن حبيب الصحابي: إن الإيمان يزيد وينقص، فقيل له: وما زيادته ونقصانه؟ قال: إذا ذكرنا الله وخشيناه فذلك زيادته، وإذا غفلنا ونسينا وضيعنا فذلك نقصانه.

رواه ابن سعد].

يعني: أن الإيمان يزيد بالعمل، ولهذا قال أهل السنة في تعريف الإيمان: هو قول واعتقاد وعمل، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، فجعلوا الزيادة والنقص من تمام التعريف؛ لأن أهل البدع، -مثل المعتزلة والخوارج- وإن وافقوا أهل السنة أول التعريف، إلا أنهم خالفوهم فيما يتعلق بالزيادة والنقصان، فالإيمان عند الخوارج والمعتزلة هو فعل الطاعات وعقيدة القلب -يعني: تصديقه- وكذلك عمل الأركان: القول والعمل، فلو كان يأتي بجميع الواجبات مصدقاً عاملاً بها ثم ترك واجباً فإنه يكون خارجاً من الإيمان عند الخوارج وعند المعتزلة، إلا أنه عند الخوارج يصير كافراً وعند المعتزلة يبقى في منزلة بين الكفر والإيمان، فلا يكون كافراً ولا مؤمناً، وإنما يكون قد خرج من الإيمان ولم يدخل في الكفر! وهذه من بدعهم التي انفردوا بها، ولم يقل بها أحد غيرهم.

ثم إنهم وافقوا الخوارج في حكم الآخرة وقالوا: إذا مات على ذلك صار في النار، أما أهل السنة فزادوا في تعريفهم للإيمان: قول واعتقاد وعمل، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، فقولهم: يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، من تمام التعريف وهو لمخالفة المبتدعة، أما غيرهم من أهل البدع فيجعلونه: قولاً، وبعضهم يجعله تصديقاً، وجعله قولاً هذا من أغرب ما يكون؛ لأنه يلزم منه أن الإنسان إذا قال بلسانه فهو مؤمن وإن كان كافراً بقلبه.

وعلى كل حال فكل من خالف ما جاء في كتاب الله وما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلابد أن يقع في الأخطاء الفضيعة الواضحة.

قال الشارح رحمه الله: [وقال مجاهد: الإيمان يزيد وينقص وهو قول وعمل.

رواه ابن أبي حاتم].

يدخل في القول: قول اللسان وقول القلب مثل الخوف والخشية والوجل والإنابة والمحبة والرضا هذا كله من قول القلب؛ لأن القول ينقسم إلى قسمين عند أهل السنة: قول يكون باللسان، وقول يكون بالقلب وهو: عقيدته وعمله.

قال الشارح رحمه الله: [وحكى الإجماع على ذلك الشافعي وأحمد وأبو عبيد وغيرهم رحمهم الله تعالى.

وقوله: {وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [الأنفال:٢]، أي: يعتمدون عليه بقلوبهم، مفوضين إليه أمورهم فلا يرجون سواه، ولا يقصدون إلا إياه ولا يرغبون إلا إليه، ويعلمون أن ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، وأنه المتصرف في الملك وحده والمعبود وحده لا شريك له.

وفي الآية وصف المؤمنين حقاً بثلاثة مقامات من مقامات الإحسان وهي: الخوف، وزيادة الإيمان، والتوكل على الله وحده].

بل خمس مقامات؛ لأن تمام الآية: {الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} [الأنفال:٣]، فهي خمس مقامات واضحة.

قال الشارح رحمه الله: وهذه المقامات تقتضي كمال الإيمان وحصول أعماله الباطنة والظاهرة، مثال ذلك: الصلاة، فمن أقام الصلاة وحافظ عليها وأدى الزكاة كما أمره الله استلزم ذلك العمل بما يقدر عليه من الواجبات، وترك جميع المحرمات كما قال تعالى: {إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ} [العنكبوت:٤٥]].