للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[القنوط من رحمة الله ضلال وهلكة]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [وقول الله تعالى: {وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّالُّونَ} [الحجر:٥٦]].

القنوط: هو اليأس وفقد الأمل، كأن يعمل عملاً يستعظمه فيقول: هلكت ولن تنفعني توبة ولا عمل صالح، فكونه يستبعد المغفرة ويغلق الباب أمامه هذا من أعظم الكبائر، وهذا أيضاً من الأمور التي تذهب بكمال التوحيد، ولهذا ذكره، فقد ذكر الآية الأولى التي فيها التحذير من الأمن من مكر الله، وهو أن يعمل الإنسان المعاصي ولا يخاف من عقاب الله، فهذا هو الأمن من مكر الله، ثم ذكر هذه الآية وفيها التحذير من القنوط، وهو: أن الإنسان إذا عمل معصية يقنط ويقول: لست أهلاً للمغفرة، ولن يغفر لي، ويستبعد أن يغفر الله له ويتوب عليه، فيكون بهذا القنوط قد انتقل من ذنب إلى ما هو أكبر منه، وهذا هو الذي يريده الشيطان.

فيجب على الإنسان مهما كان ذنبه أن يعلم أنه إذا تاب صادقاً فإن الله يتوب عليه، وأن رحمته وسعت كل شيء، فيخاف من ذنبه ويتعلق برحمة ربه، وهذا يدلنا على أن الإنسان يجب أن يكون دائماً بين الخوف والرجاء، كما أرشد إلى ذلك كتاب الله جل وعلا في كثير من الآيات قال الله جل وعلا: {نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمُ} [الحجر:٤٩ - ٥٠]، فبدأ أولاً بالمغفرة وأنه غفور رحيم، ثم ذكر أن عذابه عذابٌ أليم، وقال الله جل وعلا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً} [التحريم:٨]، والتوبة النصوح: هي التي تتضمن الصدق، فيصدق فيها ويندم على وقوعه في الذنب، ويعزم عزماً صادقاً على أن لا يعاود الذنب، ثم لو قدر أنه عاد إلى ذنب فعليه أن يتوب وهكذا، ولو تكرر ذلك في اليوم فلا يجوز أن يقنط من رحمة الله ويقول: كثرت ذنوبي وأصبحت لا أستحق أن يغفر الله لي، فإن الشيطان حريص على أن يوصل الإنسان إلى هذه المرحلة حتى يجعله هالكاً.