للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أسماء الله وصفاته وتقسيماتها]

ثم إن هذا أيضاً يدلنا على أن الله جل وعلا يسأل ويعبد بأسمائه وأوصافه التي يتوسل بها إليه حتى يرضى وحتى يعفو عن السيئات ويثيب، ويدلنا أيضاً على أن أسماءه وأوصافه تعالى لا حصر لها، وأن منها ما يعلمه العباد ومنها ما لا يعلمه إلا الله جل وعلا، وقد جاء هذا المعنى واضحاً في بعض الأحاديث، كالحديث الذي يرويه الإمام أحمد وغيره حيث يقول صلى الله عليه وسلم: (ما من عبد يصيبه هم ولا غم فيقول: اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماضٍ في حكمك، عدل في قضاؤك، أسألك اللهم بكل اسم هو لك سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحداً من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن العظيم نور صدري) إلى آخره.

فجعل أسماءه تعالى ثلاثة أقسام: قسم علمه من يشاء من خلقه، وقسم أنزله في كتبه؛ لأن قوله: (أو أنزلته في كتابك) المقصود فيه بـ (كتابك) اسم الجنس، يعني: كتبك التي أنزلتها على رسلك وقسم لم يعلمه أحداً من خلقه ولم ينزله في كتبه، بل استأثر به في علم الغيب عنده.

فموسى عليه السلام يطلب من هذا القسم، ومن هذا النوع الذي استأثر الله جل وعلا به في علم الغيب عنده ما يخصه به، فأرشده الله جل وعلا إلى عظم هذه الكلمة التي هي معروفة لكل أحد، معروفة اللفظ، أما المعنى فالإنسان يحتاج إلى إدراك معناها وإلى تفهمه وإلى معرفته حتى يعمل به، فمن كان لمعناها أعرف وله ألزم وأكثر عملاً فهو أقرب إلى الله وأرفع درجة عنده، وهو من الذين يسبقون إلى الجنة ويدخلونها بغير حساب؛ لأن هذا هو تحقيق التوحيد كما سيأتي في الباب الذي بعد هذا.

وقد ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: (إن لله تسعة وتسعين اسماً من أحصاها دخل الجنة، وهو وتر يحب الوتر)، إلى هنا انتهى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم المتفق عليه، ورواه الترمذي وأهل السنن والإمام أحمد وغيرهم، ثم سردوا تسعةً وتسعين اسماً، والحفاظ يقولون: إن سرد الأسماء مدرج، وليس مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

ومعنى الإدراج أن يكون كلاماً من الراوي أدخله في الحديث فيتوهم السامع أنه من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ليس منه.

وقد يقول بعض من لم يفهم الفهم الذي يجب: إن هذا يدل على أن أسماء الله جل وعلا تسعة وتسعين والواقع أنه لا يدل على حصر أسماء الله جل وعلا في تسعة وتسعين، وإنما يدل نصاً على أن لله هذه الأسماء، فمن أحصاها وعبد الله بها فإن الله يعده بأن يدخله الجنة، ومعنى إحصائها إطاقة العمل بها على القول الصواب الصحيح، كما قال الله جل وعلا في كتابه: {عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ} [المزمل:٢٠] يعني: تطيقون العمل به.

وأما كون الإنسان يحفظها مجرد حفظ فهذا لا يكفي، وقد قال البخاري بعد إخراجه هذا الحديث: أحصاها: حفظها.

ولكن ليس المراد مجرد الحفظ، وإنما المراد الحفظ مع معرفة المعنى وسؤال الله جل وعلا وعبادته بها حتى يحصل على هذا الموعود، وليس هذا المقصود من ذكره، وإنما المقصود من ذكره أنه لا يتعارض مع ما قلنا في مفهوم هذا الحديث من أنه يدل على أن لله جل وعلا أسماء وأوصافاً لا حصر لها؛ لأن موسى عليه السلام طلب شيئاً يخص به لم ينزل عليه في التوراة، وقد أعلمه الله جل وعلا ما أنزله عليه في كتابه، وكذلك أعلمه ما يشاء مما لم ينزله عليه في التوراة مما أنزله على أنبيائه السابقين.

وإنما معنى هذا الحديث: (إن لله تسعة وتسعين اسماً) أن الإنسان إذا حفظ هذه الأسماء وعبد الله جل وعلا بها فإنه موعود بدخول الجنة، ولا يدل على أن الله جل وعلا حصرت أسماؤه في تسعة وتسعين، فهذا مثل ما لو قال القائل: عندي مائة ألف أعددتها للجهاد في سبيل الله أو للدعوة إلى الله.

أو قال: عندي مائة كتاب أعددتها للمطالعة أو العارية، فما ينافي أن يكون عنده غيرها، إنما يذكر هذا الشيء للغرض الذي بينه، وهو الجهاد أو الدعوة أو الإعارة.

كذلك هذا الحديث معناه أن من تعبد الله جل وعلا بالتسعة والتسعين اسماً فإنه موعود بدخول الجنة، فهذا المقصود، وليس المقصود حصر الأسماء؛ فإن أسماء الله لا حصر لها.