للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ضرب الخدود عند المصيبة]

قوله: (ليس منا من ضرب الخدود)، هذا عند المصيبة، والعادة أن أهل الجاهلية إذا أصيب أحدهم بمصيبة أنه يلطم وجهه، وقد يكون الخد، وقد يكون الرأس، وقد يكون الصدر، وقد يكون غير ذلك، وهذا كله داخل في هذا، إذا أصبح يضرب وجهه أو رقبته أو ظهره أو بطنه أو رأسه عند المصيبة فإن هذا يدل على الجزع والتسخط، وهذا من الكبائر، فإن الإنسان مأمور بالصبر في مثل هذا، فيمنع يده عن الضرب، ويمنع لسانه عن الكلام الذي لا يرضي الله، وكذلك يمنع قلبه أن يتسخط على ربه جل وعلا، بل يصبر ويعلم أنه ملك لله، وأن الذي أخذه الله منه هو الذي أعطاه، ولهذا كان السلف الصالح يعملون هذه الأعمال؛ لأنه جاء عن أبي طلحة رضي الله عنه أنه كان له ابن مريض، فكان يشتد به المرض، وكان له زوجة صالحة، فخرج وهو مريض، وعند خروجه مات، فجاء إلى بيته فسأل زوجته: ما فعل ولدي؟ قالت: هو أهدأ مما كان، وهيأت له الطعام، وتعرضت له حتى أصاب منها، فلما رأته قد اطمأن قلبه قالت: أرأيت لو كان عندك وديعة لإنسان أودعك إياها، ثم طلبها منك هل تمنعه؟ قال: لا، لا يجوز ذلك، فقالت: إذاً احتسب ولدك، فقال: فعلت كذا وفعلت كذا ولما رأيتيني تلطخت بك أخبرتني! فلما علم الرسول صلى الله عليه وسلم بذلك قال: (بارك الله لكما في ليلتكما)، إلى آخر القصة.

المقصود: أن الرضا بالمصائب والتسليم بذلك شأن المؤمن، وليس شأن المؤمن أن يلطم وجهه أو يقول قولاً لا يرضي الله، أو يتسخط قلبه، وليس الحزن والبكاء داخلاً في هذا، فإن البكاء قد لا يملكه، وحزن القلب قد لا يملكه الإنسان فهو غير ملوم عليه، بل قد يثاب على دموع عينه، وكذلك حزن قلبه يثاب عليه، ولكن الذي يعاقب عليه هو الصوت والندب والتسخط، والأفعال التي تدل على الاعتراض والتسخط والتوجع من هذا الشيء.