للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الرضا صفة من صفات الله تعالى]

قال الشارح رحمه الله: [قوله: (فمن رضي فله الرضا)، أي: من الله تعالى، والرضا قد وصف الله تعالى به نفسه في مواضع من كتابه، كقول الله تعالى: {جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} [البينة:٨]، ومذهب السلف وأتباعهم من أهل السنة إثبات الصفات التي وصف الله بها نفسه، ووصفه بها رسوله صلى الله عليه وسلم، على ما يليق بجلاله وعظمته، إثباتاً بلا تمثيل، وتنزيهاً بلا تعطيل، فإذا رضي الله تعالى عنه حصل له كل خير، وسلم من كل شر].

أي: أنه لا يجوز أن تفسر صفة الله جل وعلا بلازمها ولا بأثرها، لا بأثر الصفة ولا بلازم الصفة.

بل يجب أن يوصف الله جل وعلا بها، فإذا أخبر أنه يسخط فيثبت هذا له، فإنه يسخط على من يشاء من أهل المعاصي والكفر، وليس سخطه هذا ظلماً، وكذلك ليس سخطه المصائب التي يصاب بها الإنسان، وكذلك الرضا فإنه جل وعلا يرضى عمن يشاء من عباده، ورضاه صفة له، ولا يجوز أن يفسر الرضا بأثره أو بلازمه من محبة الطاعة أو الإثابة، فإن كونه يثيب هذا من لازم صفة الرضا، وكذلك الطاعة سبب من أسباب رضا الله جل وعلا.

فيجب أن تثبت الصفات لله جل وعلا كما جاءت من غير تحريف ولا تعطيل، والتحريف: يقصد به التأويل الباطل الذي يفعله أهل الكلام كالأشاعرة ونحوهم، أنهم يحرفون تحريفاً يذهب بالمراد نهائياً، الله جل وعلا يخبر أنه: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى:١١]، فلا يجوز للإنسان إذا قيل له: إن الله يسخط، وإن الله يرضى ويغضب ويضحك ويفرح ويعجب -أن يجعل هذا من جنس الشيء الذي يعرفه من نفسه، لا يجوز ذلك؛ لأن الله جل وعلا يقول: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى:١١]، في ذاته تعالى، ولا في صفاته، ولا في أفعاله، ولا في حقوقه، الحق الذي له لا يجوز أن يكون مثله للمخلوق، وقوله وفعله لا يجوز أن يكون مثل قول المخلوق وفعله ووصفه، كما أن نفسه تعالى وتقدس ليست كالمخلوقين: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:١١].

فيجب أن تكون هذه قاعدة نسير عليها، وهذا الذي كان عليه الصحابة رضوان الله عليهم، وكان عليه أتباعهم إلى اليوم على هذا الشيء، ومن خالف في هذا فهو ضال قد ضل في دينه.