للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن مدح الشخص أمام وجهه]

قال الشارح رحمه الله تعالى: [قوله (باب ما جاء في الرياء).

أي: من النهي عنه والتحذير، قال الحافظ: هو مشتق من الرؤية، والمراد به إظهار العبادة لقصد رؤية الناس لها؛ فيحمدون صاحبها، والفرق بينه وبين السمعة: أن الرياء لما يرى من العمل كالصلاة، والسمعة لما يسمع كالقراءة والوعظ والذكر، ويدخل في ذلك التحدث بما عمله].

قوله: (يحمدونه) أي: يثنون عليه ويمدحونه ويحبونه، ويثقون به، وربما يريد أن يقبلوا يداه ورأسه أو ما أشبه ذلك، حتى يكون له مقام عند الناس، وهذا من عبادة النفس التي يجب أن يكون الإنسان كارهاً لها، مبغضاً لها، دافعاً لها لا يريدها، ولكون النفس تحب هذا الشيء نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن مدح الشخص أمامه، لا يجوز أن تأتي إلى أخيك وتمدحه وتقول: أنت فيك وفيك وأنت كذا وكذا؛ لأن نفسه ضعيفة قد تغلبه؛ وذلك أنه إذا سمع بالمدح -وإن كان هو أعلم بنفسه من المادح- فقد تغالطه نفسه ويقول: لعلي كذلك، وإن كانت هذه مغالطة في الواقع، لكن قد يكون الدافع لهذا قوياً، وهو حب الإنسان أن يكون مقدماً عند الناس، ومحبوباً لهم، ومثنىً عليه، وهذا شيء قوي تريده النفوس، وكل إنسان يريد أن يكون فوق أبناء جنسه، ولا يريد أن يكون دونهم؛ لهذا تجد كل إنسان معجباً بنفسه وعمله، وربما يزدري الآخرين من باب الإعجاب، فلهذا نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن ذلك، ولما سمع إنساناً يمدح آخر قال: (ويلك قطعت عنقه)، كيف قطع عنقه؟ يعني: أنه يسلط عليه نفسه.

فيترك ما أمر به من الإخلاص، وازدراء النفس، وقد لا يعرف قدره إذا مدح، فإذا لم يعرف قدره فإنه يهلك، وإذا أراد أن يعرف قدره فليعرض عمله على كتاب الله إن كان من الذين يقول الله جل وعلا فيهم: {كَانُوا قَلِيلاً مِنْ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ * وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} [الذاريات:١٧ - ١٩]، {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ} [المؤمنون:٢ - ٤] إلى آخر ما ذكر الله جل وعلا من صفات الذين يثني عليهم، فإذا كان من هؤلاء فهو عند الله جل وعلا محبوب وله الجزاء، وإن لم يكن وصفه هكذا فليراجع عمله ونفسه، ويجتهد لعله يصل إلى شيء من ذلك، وإلا أصبح مثلما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (لينتهين أقوامٌ عن فخرهم بأناس هم فحمٌ من فحم جهنم أو ليكونن أهون عند الله من الجعلال الذي يدهده النتن بأنفه)، فهو أهون عند الله من هذه الدابة التي تختار النتن القذر وتدهدهه بأنفها؛ لأن الإنسان ما له قيمة إلا بعمله، وإذا كان يعمل لأجل نفسه فهو ممقوت عند الله مكروه، ومن مقته الله جل وعلا فإنه يفضحه ويخزيه ويعذبه، نسأل الله العافية.