للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

معنى حديث: (من عمل عملاً أشرك فيه غيري)

قال الشارح رحمه الله: [قوله: (من عمل عملاً أشرك فيه غيري) أي: من قصد بعمله غيري من المخلوقين، (تركته وشركه)، ولـ ابن ماجة: (فأنا منه بريء، وهو للذي أشرك)، قال الطيبي: الضمير المنصوب في قوله: (تركته) يجوز أن يرجع إلى العمل.

قال ابن رجب رحمه الله تعالى: واعلم أن العمل لغير الله أقسام: فتارة يكون رياءً محضاً كحال المنافقين كما قال تعالى: {وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً} [النساء:١٤٢]، وهذا الرياء المحض لا يكاد يصدر عن مؤمن في فرض الصلاة والصيام، وقد يصدر في الصدقة أو الحج الواجب أو غيرهما من الأعمال الظاهرة أو التي يتعدى نفعها، فإن الإخلاص فيها عزيز، وهذا العمل لا يشك مسلم أنه حابط، وأن صاحبه يستحق المقت من الله والعقوبة، وتارة يكون العمل لله ويشاركه الرياء، فإن شاركه من أصله فالنصوص الصحيحة تدل على بطلانه].

إذا شاركه في الأصل، أي: كان الباعث عليه من أصل المبدأ أنه يريد المراءاة، فهذا حابط بلا شك.

قال الشارح رحمه الله: [وذكر أحاديث تدل على ذلك، منها هذا الحديث، وحديث شداد بن أوس مرفوعاً: (من صلى يرائي فقد أشرك، ومن صام يرائي فقد أشرك، ومن تصدق يرائي فقد أشرك، وإن الله عز وجل يقول: أنا خير قسيم لمن أشرك بي، فمن أشرك بي شيئاً فإن جدة عمله وقليله وكثيره لشريكه الذي أشرك به، وأنا عنه غني) رواه أحمد.

وذكر أحاديث بالمعنى ثم قال: فإن خالط نية الجهاد مثلاً نية غير الرياء، مثل أخذ أجرة للخدمة، أو أخذ شيء من الغنيمة أو التجارة، نقص بذلك أجر جهاده ولم يبطل بالكلية].

إذا كان عنده طمع بأن يحصل على غنيمة أو على نفع دنيوي خاص به، فهذا يكون نقصاً في جهاده، أما إذا كان الباعث له على الجهاد أن يحصل على الأموال فقط فهذا من الشرك الذي سيأتي ذكره في الباب الذي بعد هذا، فيقول الله فيه: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [هود:١٥ - ١٦].

ومعنى الآية: أن الذي يعمل الأعمال الصالحة ويقصد بها الدنيا فجزاؤه بهذه الصفة، ولكن إذا كان الباعث له على العمل طاعة الله وطاعة رسوله، والطمع في ثوابه والنجاة من عقابه، ودخل في هذا أنه يحصل على نفع دنيوي كالغنيمة؛ فهذا لا يحبط عمله، ولكن ينقص أجره، فلا يكون مثل الذي صار عمله كله للآخرة.