للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفاضل القلوب في اعتقاد كلمة التوحيد]

قال الشارح رحمه الله تعالى: [وروى الإمام أحمد عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أن نوحاً عليه السلام قال لابنه عند موته: آمرك بـ (لا إله إلا الله)؛ فإن السموات السبع والأرضين السبع لو وضعت في كفة و (لا إله إلا الله) في كفة رجحت بهن لا إله إلا الله، ولو أن السموات السبع والأرضين السبع كن حلقة مبهمة لقصمتهن لا إله إلا الله)، وقوله: (في كِفة) هو بكسر الكاف وتشديد الفاء، أي: كفة الميزان.

وقوله: (مالت بهن) أي: رجحت.

وذلك لما اشتملت عليه من نفي الشرك، فتوحيد الله الذي هو أفضل الأعمال وأساس الملة والدين، فمن قالها بإخلاص ويقين وعمل بمقتضاها ولوازمها وحقوقها واستقام على ذلك فهذه الحسنة لا يوازنها شيء، كما قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} [الأحقاف:١٣]، ودل الحديث على أن (لا إله إلا الله) أفضل الذكر، كحديث عبد الله بن عمرو مرفوعاً: (خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير) رواه أحمد والترمذي، وعنه أيضاً مرفوعا: (يصاح برجل من أمتي على رؤوس الخلائق يوم القيامة، فينشر له تسعة وتسعون سجلا كل سجل منها مد البصر، ثم يقال: أتنكر من هذا شيء؟ أظلمك كتبتي الحافظون؟ فيقول: لا يا رب.

فيقال: أفلك عذر أو حسنة؟ فيهاب الرجل فيقول: لا.

فيقال: بلى.

إن لك عندنا حسنة، وإنه لا ظلم عليك اليوم.

فيخرج له بطاقة، فيقول: يا رب! ما هذه مع هذه السجلات؟ فيقال: إنك لا تظلم شيئاً.

فيخرج له بطاقة فيها: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله.

فيقول: يا رب! ما هذه البطاقة مع هذه السجلات؟ فيقال: إنك لا تظلم.

فتوضع السجلات في كفة والبطاقة في كفة، فطاشت السجلات وثقلت البطاقة) رواه الترمذي وحسنه، والنسائى، وابن حبان، والحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم.

وقال الذهبي في تلخيصه: صحيح.

قال ابن القيم رحمه الله تعالى: فالأعمال لا تتفاضل بصورها وعددها، وإنما تتفاضل بتفاضل ما في القلوب، فتكون صورة العملين واحدة وبينهما من التفاضل كما بين السماء والأرض.

قال: وتأمل حديث البطاقة التي توضع في كفة ويقابلها تسعة وتسعون سجلا كل سجل منها مد البصر، فتثقل البطاقة وتطيش السجلات فلا يعذب، ومعلوم أن كل موحد له هذه البطاقة، وكثير منهم يدخل النار بذنوبه.

قوله: رواه ابن حبان والحاكم) ابن حبان اسمه محمد بن حبان -بكسر المهملة وتشديد الموحدة- بن أحمد بن حبان بن معاذ أبو حاتم التميمي البستي الحافظ صاحب التصانيف كالصحيح والتاريخ والضعفاء والثقات وغير ذلك، قال الحاكم: كان من أوعية العلم في الفقه واللغة والحديث والوعظ، ومن عقلاء الرجال.

مات سنة أربع وخمسين وثلاثمائة بمدينة بست -بضم الموحدة وسكون المهملة-، وأما الحاكم فاسمه محمد بن عبد الله بن محمد النيسابورى أبو عبد الله الحافظ، ويعرف بـ ابن الربيع، ولد سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة، وصنف التصانيف كالمستدرك وتاريخ نيسابور وغيرهما، ومات سنة خمس وأربعمائة].