للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[خوف النبي عليه الصلاة والسلام على أمته من الرياء]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [وعن أبي سعيد رضي الله عنه مرفوعاً: (ألا أخبركم بما هو أخوف عليكم عندي من المسيح الدجال؟ قالوا: بلى يا رسول الله! قال: الشرك الخفي يقوم الرجل فيصلي فيزين صلاته لما يرى من نظر رجل) رواه أحمد].

هذا الحديث خطاب للصحابة رضوان الله عليهم، والصحابة هم خير هذه الأمة؛ فهم أبرها قلوباً، وأعمقها علماً، وأخلصها عملاً، وأعلمها بالله، وأتبعها لرسوله صلى الله عليه وسلم، ولا أحد يصل إلى ما وصلوا إليه، ومع ذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (ألا أخبركم بما هو أخوف عليكم عندي من الدجال؟ ومعلوم ما هو الخوف من الدجال فإن الرسول صلى الله عليه وسلم حذر أمته منه، وقال: (إذا أحد به الإنسان فلينأ عنه -أي: يبتعد- فإن الرجل يأتيه وهو واثق بدينه فلا يزال به حتى يفتن ويصدقه)، ولهذا أمرنا صلوات الله وسلامه عليه أن نستعيذ بالله من شره ومن فتنته في كل صلاة ومع ذلك يقول: (إن هذا الأمر أخوف عليكم عندي من الدجال، فهذا يدل على أن هذا الأمر يجلب الخوف خصوصاً على الصالحين الذين عندهم كمال، فكيف بضعفاء الإيمان الذين ينظرون إلى الدنيا كثيراً وتستميلهم؟ فلا شك أن هؤلاء يجب أن يكونوا أكثر خوفاً من أولئك.

إذاً: من الشرك كون الرجل يصلي ثم يزين صلاته لما يرى من نظر الناس إليه، وهذا يعني أن الصلاة ليست للرجل بل هي لله جل وعلا، ولكنه يحسنها بإطالتها وآدابها وركوعها وسجودها وقيامها؛ لنظر من يراه معظماً عنده، حتى يكون له وقع في قلبه من أجل ذلك، وهذا من عبادة النفس، فمن عادة النفس حب الثناء عند الناس، ومن المعلوم أن المؤمنين يحبون المؤمن، وكلما كان الإنسان أطوع لله تكون محبته عندهم أكثر، فهو يريد أن يقدم في المجالس أو في الخطابات أو في ما شاء الله من أمور الدنيا التي ينظر إليها، فكل من زين عمله لأجل ذلك فلا خير في عمله، وهذا هو الذي دل عليه هذا الحديث: (من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه).

ثم هذا لا يدعو الإنسان لأن يترك تحسين الصلاة وفعل السنن من أجل نظر الناس، فهذا لا يجوز؛ لأن العمل من أجل الناس شرك، وترك العمل من أجلهم لا يجوز.

فالإنسان يجب أن يكون عمله لله جل وعلا، وأن يكون عبداً لله خالصاً مخلصاً، يخلص نفسه وأعماله من الشوائب التي تتوارد عليها بحظوظ النفس أو إرادات الدنيا وما أشبه ذلك.

والأعمال آفاتها كثيرة، وهذا من أعظم آفاتها، وهذا يدلنا على شدة نصح الرسول صلى الله عليه وسلم لأمته، فانظر كيف حذرنا من الآفات التي تكون في النفوس وتدخل القلوب ولا يعلمها إلا علام الغيوب، ولكنه بعث للدعوة إلى الله، وإخلاص الدين له، فكل أمر يخالف الدين وينافي الإخلاص فإنه بينه ووضحه، ويجب أن يكون العمل لله جل وعلا وحده، وذلك هو العمل النافع، فليس الاعتبار بكثرة الأعمال، ولكن بسلامة العمل وخلوصه من الشوائب، فإذا كان العمل خالصاً لله فهو النافع المجدي وإن كان قليلاً، فإن الله جل علا إذا قبل حسنة واحدة بارك فيها حتى ينجو بها الإنسان من النار إن لم يكن له سيئات تأتي عليها.

قال جل وعلا: {إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً} [النساء:٤٠]، فإذا كان عند الإنسان حسنة ولو صغيرة مقبولة خالصة لله؛ فإن الله جل وعلا يبارك فيها ويعظمها حتى ينجو بها الإنسان، ولكن يجب أن تكون خالصة لله.