للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[إرادة الدنيا أنواع]

وإرادة الدنيا أنواع: فقد يريد بها أن يجزيه الله مقابل عمله جزاءً عاجلاً في هذه الدنيا فقط، ويقطع النظر عن الآخرة، فلا تهمه الآخرة وإنما يريد الدنيا فقط، فمثل هذا يجزى بعمله الذي عمله إذا كان صالحاً في هذه الدنيا، ولكن الجزاء في الآخرة حابط والعمل باطل فهو من الخاسرين.

وقد يعمل عملاً من الأعمال التي وضعت قربات يتقرب بها إلى الله، ولكنه يريد وجوه الناس مراءاة حتى يُحبُّوه أو يثنوا عليه أو يمدحوه وما أشبه ذلك، فهذا أيضاً أراد الدنيا، ولكن الذي قبله أعقل منه؛ لأن الذي قبله أراد نفعاً خاصاً به، أما هذا فيريد خيالاً ليس له حقيقة، وقد يعمل الذي يريد الدنيا أعمالاً يتقرب بها، ولكنه على عمل يكفره، أو على بدعة تخرجه من الدين الإسلامي كاليهود والنصارى الذين لم يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم، فإنهم قد يتصدقون ويحسنون إلى الناس حباً للإحسان وطلباً للجزاء.

ومعلوم أن اليهود النصارى يؤمنون بالله جل وعلا ويؤمنون بالبعث؛ ولكنهم يعتقدون أنهم على دين صحيح وهو الدين الذي جاء به موسى وجاء به عيسى صلى الله عليهما وسلم؛ فهؤلاء إذا عملوا أعمالاً صالحة من صدقة وإحسان وما أشبه ذلك، يجزون بأعمالهم في الدنيا فقط، أما الآخرة فحابط عملهم وباطل.

وقد يعمل العامل للدنيا عملاً صالحاً مثل طلب العلم وحفظ القرآن وإتقانه، ولكنه يريد بذلك وظيفة من الوظائف التي يتعيش بها، فقصده من التعلم والحفظ والتلاوة هو هذه الوظيفة، فهذا أيضاً داخل في الآية.

وقد يحج الإنسان عن غيره فيكون بالنسبة له تطوعاً، ولكن يكون في مقابل ذلك مال فيكون حجه لأجل أخذه المال وليس لأجل أنه يذهب إلى المشاعر المعظمة ويطوف ويدعو الله، ويعمل ما يعمله الحجاج الذين يتعرضون لنفحات الله وكرمه وجوده؛ وإنما يفعل ذلك لأجل المال فقط، ولو لم يحصل له مال ما حج ولا طلب الحج، فمثل هذا ليس له من عمله ومن حجه إلا هذا المال الذي أخذه، وأعماله حابطة نسأل الله العافية.

هؤلاء كلهم يدخلون في هذه الآية، وقد ذكر السلف من المفسرين رحمهم الله هذه الأنواع، وذكروا غيرها عند هذه الآية.