للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[لا يقدم قول أحد على قول رسول الله صلى الله عليه وسلم]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [وقال ابن عباس رضي الله عنهما: (يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء أقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقولون: قال أبو بكر وعمر!)] قال ابن عباس رضي الله عنهما هذا الكلام بمناسبة أنه كان يأمر بالمتعة -متعة الحج- ويقول إنها أفضل؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بها آخر الأمر وكرر ذلك وأكده وسئل عن ذلك فقيل له: (أهذا لنا خاصة؟ فقال: بل للناس عامة) وكان أبو بكر رضي الله عنه وعمر رضي الله عنه يودان أن الإنسان يأتي بالحج مفرداً وبالعمرة مفردة ويقولان: حتى لا يخلو البيت من طائف وزائر؛ لأنه إذا اجتمعت العمرة والحج في سفرة واحدة قل رواد البيت القاصدين له، مع أنه جاء في قول الله جل وعلا: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة:١٩٦]: أن إتمام الحج وإتمام العمرة أن يأتي بهما في سفرة واحدة من الميقات، هكذا فسروا الآية.

فهذه وجهة نظر أبي بكر وعمر رضي الله عنهما في النهي عن المتعة، وليس نهياً من باب المنع والتحريم، بل يقولان: هذا أفضل، حتى لا يبقى البيت خالياً من القاصدين والزائرين والطائفين، فكان ابن عباس يخالف ذلك وينهى عن هذا ويقول: بل يؤتى بالحج متمتعاً يعني: بالحج والعمرة معاً، فقالوا له: إنك تأمر بشيء ينهى عنه أبو بكر وعمر فقال: يوشك -يعني: يقرب ويسرع- أن تنزل عليكم حجارة من السماء، أقول لكم: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقولون قال أبو بكر وعمر؟! فهذا من فقهه رحمه الله ورضي الله عنه وتعظيم السنة.

ومعلوم أنه لا أحد يوازى بـ أبي بكر وعمر من الأمة مع أن قصدهما معروف، ولم ينهيا عن التمتع نهي تحريم، وإنما للفضل والاختيار، ومع ذلك يقول: يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء؛ لأنكم فعلتم فعلاً أو قلتم قولاً تستحقون به نزول الحجارة وهو: أني أقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فتعارضون قول رسول الله صلى الله عليه وسلم بقول أبي بكر وعمر! فدل هذا على أنه لا يجوز أن يعارض قول رسول الله صلى الله عليه وسلم أو قول الله جل وعلا بقول أحد من الناس مهما كان، وهذا هو الحق، وقد دل كتاب الله وسيرة رسوله صلى الله عليه وسلم وسنته على أنه لا يجوز أن يعارض شيء من أمر الله أو أمر رسوله صلى الله عليه وسلم بقول أحد من الناس.