للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق]

ومقصود المؤلف من ذلك أن يطبق هذه الآية على هذه الأمة؛ لأن كل ما ذكر في أهل الكتاب يقصد به تحذير المسلمين منه.

فالمقصود بالخطاب من يمتثل الخطاب ويؤمن به ويقبله، ولهذا ذكر في المسائل: أن طاعة الفقهاء في كونهم يقولون الحكم كذا وكذا وهو مخالف لقول الله وقول رسوله أنه مثل اتخاذ الأحبار أرباباً، وأن طاعة العباد والزهاد في تشريع ما يقترحونه ويقولونه ويأتون به أنه من عبادتهم.

ثم يقول: (ثم تغيرت الأحوال إلى أن عبد من دون الله من ليس من الصالحين) أي: بالمعنى الأول، وهم أناس متعلمون وليسوا علماء، فاتبعوا على ذلك فصار ذلك الاتباع عبادة لهم، وعبد بالمعنى الثاني من ليس من العباد بل هو من الشياطين، يعني: الذين يعلمون أنهم يتعبدون بالبدع ويدعون أنهم أولياء فيضلون الناس، ومقصوده أن يطبق ذلك على الواقع الذي كان في زمنه ولا يزال هذا في بلاد المسلمين، والأمر أعم من هذا وأشمل، فكل من أطاع مخلوقاً في معصية الله جل وعلا وهو يعلم فإنه داخل في هذه الآية وفي هذا الحكم، وإن كان والده أو والدته فضلاً عن غيرهما فلا طاعة لمخلوق في معصية الله جل وعلا.

وقد ثبت في صحيح مسلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم بعث سرية وأمر عليها رجلاً من الأنصار وحضهم على طاعته فقال: (من أطاع الأمير فقد أطاعني ومن عصى الأمير فقد عصاني) فغضب عليهم أميرهم فقال لهم: ألم يقل لكم رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أطاع الأمير فقد أطاعني ومن عصاه فقد عصاني؟ قالوا: بلى، قال: اجمعوا لي حطباً، فجمعوا له حطباً كثيراً فلما جمعوه قال: أججوا فيه ناراً فأججوا فيه النار عند ذلك قال: اقتحموا في النار فوقفوا وقالوا: لا نقتحم في النار نحن من النار فررنا، ولما سكن غضبه وطفئت النار وعاد الأمر على ما هو عليه، يعني: ساروا في طريقهم وفي مقصدهم ثم لما رجعوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ذكروا له القصة، فقال صلى الله عليه وسلم: (لو دخلتموها ما خرجتم منها، لا طاعة لمخلوق في معصية الله إنما الطاعة بالمعروف)، والمعروف هو الشرع الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ومن خالف الشرع فقد أتى بمنكر لا بمعروف.

إذاً: تكون طاعة المخلوق تبعاً لطاعة الله جل وعلا ولاسيما أولي الأمر فإنهم ينفذون أمر الله والعلماء يبينون أمر الله ويطاعون تبعاً لطاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم.