للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الربوبية والألوهية متلازمتان]

قال الشارح رحمه الله تعالى: [باب: من أطاع العلماء والأمراء في تحريم ما أحل الله أو تحليل ما حرم الله فقد اتخذهم أرباباً من دون الله.

لقول الله تعالى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [التوبة:٣١]، وتقدم تفسير هذا في أصل المصنف رحمه الله عند ذكر حديث عدي بن حاتم رضي الله عنه].

في هذه الآية: أن الربوبية والإلهية متلازمتان، فيلزم من كون الإنسان يتأله ويعبد الله أن يكون هذا المعبود هو المالك المتصرف الذي يملك الأمر والنهي، وإذا لم يكن كذلك فلا يصلح أن تكون الإلهية والتأله له، وكذلك فإن الآمر والناهي هو الذي يجب أن يعبد وأن تكون العبادة له.

وكثير من الناس لا يعرف الفرق بين الإلهية والربوبية حتى أنكر بعض الجهلة الذين يتصدرون الناس ويزعمون أنهم علماء تقسيم التوحيد وقال: التوحيد هو توحيد الربوبية، وهذا أجهل من أبي جهل في الواقع؛ لأن أبا جهل يعلم أن الله هو الخالق الرازق المتصرف، ولكنه يقول: أعبد هبل واللات والعزى؛ لأنها تشفع لي وأتخذها واسطة! وهذا جهل، أما هذا المتكلم فاجتمع له الجهل باللغة والجهل بالشرع والجهل بالواقع، فصار جهلاً على جهل على جهل، فهو جهلٌ مركب، وهذه نهاية الجهل وليس وراء ذلك شيء من الجهل.

وهذا من علامات الساعة، أعني كون الجاهل جهلاً مركباً يتصدر الناس ويكتب الكتب فتطبع وتنشر في العالم الإسلامي، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (يوشك أن يرفع العلم ويفشو الجهل)، مع أنه جاء في الحديث: (إن من أشراط الساعة فشو العلم وفشو القلم وفشو الكتابة)، يعني: ظهورها، والكتابة -كما هو معروف- لم تصل في وقت من الأوقات إلى ما وصلت إليه الآن.

والمقصود: أن الآية فيها بيان أن الربوبية والإلهية متلازمان، وأن الربوبية غير الإلهية، وهذا كثير جداً في القرآن، وجهله من أعظم الجهل.

قال المصنف: [وقال ابن عباس رضي الله عنهما: (يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء، أقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقولون: قال أبو بكر وعمر).

قال الشارح: قوله: (يوشك) بضم أوله وكسر الشين المعجمة أي: يقرب ويسرع.

وهذا القول من ابن عباس رضي الله عنهما جواب لمن قال له: إن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما لا يريان التمتع بالعمرة إلى الحج ويريان أن إفراد الحج أفضل، أو ما هو معنى هذا، وكان ابن عباس رضي الله عنهما يرى أن التمتع بالعمرة إلى الحج واجب ويقول: (إذا طاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة سبعة أشواط فقد حل من عمرته شاء أم أبى، لحديث سراقة بن مالك رضي الله عنه حين أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يجعلوها عمرة، ويحلوا إذا طافوا بالبيت وسعوا بين الصفا والمروة، فقال سراقة: (يا رسول الله! ألعامنا هذا أم للأبد؟ قال: بل للأبد)، والحديث في الصحيحين.

].

يعني: أنه يرى أنه يتحتم على الحاج إذا لم يسق الهدي من الحل إلى الحرم أن يكون متمتعاً ولو لم ينو ذلك، فإذا طاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة وجب عليه أن يقصر من رأسه ويلبس ثيابه ويحل الحل كله، ويقول: لا يسعه إلا ذلك؛ لأن هذا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا مذهب طائفة من العلماء منهم أهل الظاهر وبعض المحدثين وغيرهم.