للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ليُّ أعناق النصوص لتوافق المذهب مذمومة

ولهذا قال: الحق ضالة المسلم إذا وجدها أخذها بغض النظر عن الذي قال ذلك، سواء كان صديقاً أو عدواً فإنه يجب عليه أن يقبل؛ لأن الهدف طاعة الله وطاعة رسوله فقط، فيقبل القول ممن قاله إذا كان موافقاً لأمر الله وأمر رسوله مهما كان القائل، فلا يجوز أن نعتبر القول بقائله، بل يجب أن تتعبر الأقوال وتعرض على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فإذا وافقت قول الله وقول رسوله صلى الله عليه وسلم وجب قبولها، وإذا خالفت قول الله وقول رسوله ردت، وإن كان القائل لها صديقاً أو عالماً؛ لأن الإنسان مهما كان يجوز عليه الخطأ وليس أحد معصوماً إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأولياء الله يجوز عليهم الذنب ويجوز أن يقعوا في الخطأ، ولكنهم إذا نبهوا على الخطأ رجعوا، بخلاف الذين يتبعون أهواءهم أو تكون لهم أغراض فإنهم يتعصبون لأقوالهم ويتركون الأدلة ويحاولون أن تأتي موافقة لأقوالهم، فهم يسخرون الأدلة لتتفق مع ما يقولون، مع أن الواجب أن تكون الأقوال تابعة للأدلة، وأما تحريف الأدلة لتوافق الأقوال فهو الذي عابه الله جل وعلا على اليهود الذين يلبسون الحق بالباطل يعرفونه كما يعرفون أبناءهم ولكنهم يصدون عنه يعرفون الحق كما يعرفون أبناءهم ويعرفون الرسول صلى الله عليه وسلم كما يعرفون أبناءهم ومع ذلك يلبسون الحق بالباطل! أي: يلبسون على الناس حتى ينطلي عليهم قولهم، ولهذا يقول العلماء: كل من ضل من علماء هذه الأمة ففيه شبه من اليهود، وكل من ضل من عبادته وزهده ففيه شبه من النصارى.

قال الشارح: [قال شيخ الإسلام رحمه الله في معنى قول الله تعالى: {فَلْيَحْذَرْ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ} [النور:٦٣]: فإذا كان المخالف لأمره قد حُذر من الكفر والشرك، أو من العذاب الأليم دل على أنه قد يكون مفضياً إلى الكفر والعذاب الأليم.

ومعلوم أن إفضاءه إلى العذاب الأليم هو مجرد فعل المعصية، فإفضاؤه إلى الكفر إنما هو لما يقترن به من الاستخفاف في حق الآمر، كما فعل إبليس لعنه الله تعالى ا.

هـ].

فإبليس لما أمره الله جل وعلا بالسجود استخف بالأمر وقال: أنا خير منه، وكان الأولى أن تأمره أن يسجد لي! لأنه خلق من النار وأما آدم فخلق من الطين، والنار أفضل من الطين على حد زعمه، فهذا استخفاف بأمر الله جل وعلا، وكذلك إذا رد الإنسان قول الله وقول رسوله صلى الله عليه وسلم لقول أحد من الناس صار هذا الإنسان الذي قبل قوله أعظم عنده من الله ومن رسوله صلى الله عليه وسلم، وهذا معنى إفضائه إلى الكفر، فيكون بذلك كافراً نسأل الله العافية.

وهذا فيه: أن هذا العمل ليس مجرد معصية؛ لأن الإنسان إذا عصى وهو يعلم أنه عاصٍ فإن هذا لا يكون كفراً، بل مجرد معصية، وإن خالف أمراً صريحاً وارتكب النهي الصريح وهو مقر على نفسه بأنه عاصٍ فمثل هذا يكون مذنباً فقط وليس بكافر، أما إذا كان مستخفاً بأمر الله وليس لأمر الله عنده قيمة فيقول: وإن أمرني الله فلا أبالي! فمثل هذا يخشى عليه أن يكون خارجاً من الدين الإسلامي نسأل الله العافية.