للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[التوحيد هو الكفر بكل طاغوت عبد من دون الله]

قال الشارح رحمه الله: [وإن كان ممن يدعو إلى عبادة نفسه، أو كان شجراً أو حجراً أو قبراً أو غير ذلك مما يتخذه المشركون أصناماً على صور الصالحين والملائكة وغير ذلك فهي من الطاغوت الذي أمر الله تعالى عباده أن يكفروا بعبادته ويتبرءوا منه ومن عبادة كل معبود سوى الله كائناً من كان، وهذا كله من عمل الشيطان وتسويله، فهو الذي دعا إلى كل باطل وزينه لمن فعله، وهذا ينافي التوحيد الذي هو معنى شهادة أن لا إله إلا الله.

فالتوحيد هو الكفر بكل طاغوت عبده العابدون من دون الله، كما قال تعالى: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ} [الممتحنة:٤]، وكل من عبد غير الله فقد جاوز به حده وأعطاه من العبادة ما لا يستحقه.

قال الإمام مالك رحمه الله: الطاغوت: ما عبد من دون الله].

أي: ما عبد من دون الله مطلقاً، إلا أن يكون نبياً أو ولياً أو ملكاً، فهو يحتاج إلى قيد: (ما عبد من دون الله وهو راضٍ بهذه العبادة) إذا كان عاقلاً مكلفاً، فلابد أن يقيد بأن يكون راضياً، أما إذا كان غير راض أو غير عالم بذلك فأن العبادة تقع على الشيطان؛ لأن الشيطان هو الذي أمر بذلك.

ومع ذلك إذا كان المتوجه إليه بعد موته في قبره فإن هذا القبر يكون وثناً، ويكون طاغوتاً، ولكن المقبور إذا لم يكن راضياً بهذا ولا آمراً به فليس كذلك، ولهذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (اللهم لا تجعل قبري وثناً يعبد، اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)، فيدعو أن لا يكون قبره وثناً يعبد، فدل على أنه لو عبد لكان وثناً، ولكن الله جل وعلا حماه من ذلك.