للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[زيادة الإيمان ونقصانه]

وزيادة الإيمان جاءت في كتاب الله في مواضع كثيرة صريحة، وأن كل ما أنزل الله جل وعلا شيئاً ازداد الذين آمنوا إيماناً، ولكن النقص هل جاء صريحاً؟ الواقع أنه جاء شبه الصريح، ومن ذلك قوله جل وعلا: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا} [المائدة:٣].

ومعلوم أن الذي كمل كان قبل الكمال ناقصاً، ولهذا استدل البخاري رحمه الله في صحيحه بهذه الآية على نقصان الإيمان وأنه ينقص، ولا يلزم من هذا أن الصحابة الذين كانوا قبل نزول هذه الآية كانوا ناقصي الإيمان؛ لأنهم آمنوا بما وجب عليهم.

ولأن نفس الدين الذي هو الإيمان ما كمل، ومعلوم أن الذي يأخذه كله ليس كالذي يأخذ بعضه، وكذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم الذي في الصحيح وهو يخاطب النساء: (ما رأيت من ناقصات عقل ودين أغلب لذي لب منكن) خاطبهن بأنهن ناقصات عقل ودين، وكذلك في الحديث الآخر لما خطب النساء صلوات الله وسلامه عليه وأمرهن بالصدقة قال: (إني رأيتكن أكثر أهل النار، فقامت امرأة وقالت: لماذا نحن أكثر أهل النار؟ فقال: لأنكن ناقصات عقل ودين، أما نقصان العقل فشهادة امرأتين بشهادة رجل، وأما نقصان الدين فإن إحداكن تبقى شطر الدهر لا تصلي) يعني: زمن العادة.

وإن كان هذا بغير اختيارها، ولكن هذا دليل على أن الذي يعمل أكثر يكون إيمانه أكمل، فهو دليل على نقصان الدين، وإلا فليس واجباً عليها أن تصلي في وقت العادة.

فالمقصود أن هذا نقص من الإيمان؛ لأن كل ما قبل الزيادة فهو يقبل النقص، فكل شيء يقبل الزيادة بمقتضى العقل فإنه يقبل النقص.

فالأدلة التي تدل على زيادة الإيمان هي دليل على نقصانه، فيكون الذي لم يزدد إيماناً يكون ناقصاً.