للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[وجوب بغض المشركين وتحريم موالاتهم]

قال الشارح رحمه الله: [وقد وصف الله المشركين باتباع الهوى في مواضع في كتابه، فقال تعالى: {فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ} [القصص:٥٠].

وكذلك البدع إنما تنشأ من تقديم الهوى على الشرع، ولهذا سمي أهلها أهل الأهواء، وكذلك المعاصي إنما تنشأ من تقديم الهوى على محبة الله ومحبة ما يحبه، وكذلك حب الأشخاص الواجب فيه أن يكون تبعاً لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، ويجب على المؤمن محبة من يحبه الله من الملائكة والرسل والأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين عموماً، ولهذا كان من علامات وجود حلاوة الإيمان أن يحب المرء لا يحب إلا لله، فتحرم موالاة أعداء الله ومن يكرههم الله عموماً، وبهذا يكون الدين كله لله، ومن أحب لله وأبغض لله، وأعطى لله ومنع لله، فقد استكمل الإيمان، ومن كان حبه وبغضه وعطاؤه ومنعه لهوى نفسه، كان ذلك نقصاً في إيمانه الواجب، فتجب التوبة من ذلك.

انتهى ملخصاً].

بغض أعداء الله من واجبات الإيمان، وليس بغضهم فقط هو بغض في النفس، بل بغضهم ومعاداتهم وإظهار ذلك لهم لابد منه، كما قال الله جل وعلا: {لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [المائدة:٥١].

ويقول جل وعلا: {لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ} [المجادلة:٢٢].

ويقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ} [الممتحنة:١].

وفي آيات كثيرة جداً ينهى الله عز وجل عن موالاتهم، وعن مودتهم وعن توليهم، بل نهى عن الركون إليهم، وأن من ركن إليهم تمسه النار ولو قليلاً، بل نهى رسوله صلى الله عليه وسلم عن الركون إلى ذلك وتوعد عليه، وهذا أمر من لوازم الدين الإسلامي.

وكذلك المبادأة لهم بالعداوة، كما قال الله جل وعلا: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَه} [الممتحنة:٤].

وهل المراد هنا أنهم صارحوا قومهم وواجهوهم بالقول وأظهروه لهم، أو أنهم قالوا: (نبغضكم) في نفوسهم ويكفي، وقالوا: لسنا مكلفين بأن نواجههم؟

الجواب

الإنسان المسلم مكلف بأن يظهر أنه عدو للكافر، وأنه عدو لعدو الله جل وعلا، ويبغضه في الله جل وعلا، ولا يتم الدين الإسلامي إلا بهذا، فإن الله جل وعلا جعل الإسلام مبنياً على تأله الله، وفعل الطاعة، وموالاة المؤمنين، وأخبر أنه إن لم يكن هذا حصل الفساد العريض والكبير في الأرض، ولما ختم سورة الأنفال بأن المؤمنين بعضهم أولياء بعض ذكر أن الكافرين بعضهم أولياء بعض، ثم قال: {إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ} [الأنفال:٧٣].

فكذلك يحرم كون الإنسان يكون مكثراً لسوادهم أو يبيت معهم، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (أنا بريء من مسلم بات بين ظهراني المشركين)، ثم قال: (لا تتراءى ناراهما) يعني: نار المسلم ونار المشرك في القتال إلا في سبيل الله، أي: إذا كان يواجهه بالقتال.