للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[معنى قوله تعالى: (وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض)]

قال المصنف رحمه الله: [الثانية: تفسير آية البقرة: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ} [البقرة:١١] الآية].

هذه الآية أيضاً في المنافقين؛ لأن سورة البقرة قسمت الناس في أولها إلى ثلاثة أقسام: المؤمنون الذين: {يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاة وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالآخرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ} [البقرة:٣ - ٤] ثم ثلاث آيات ذكرت في المؤمنين، ثم بعد ذلك ذكر الله الكافرين، فقال: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ * خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [البقرة:٦ - ٧]، فهذه في الكافرين.

ثم ذكر المنافقين فقال: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ * يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ * فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ} [البقرة:٨ - ١٠] يعني: مرض النفاق {فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ} [البقرة:١٠ - ١١].

يعني: إذا قيل لهم: لا تفعلوا هذه الأفعال التي تفعلونها فإنها فساد في الأرض وطاعة الكفار، وكذلك هي من موالاة الكفار، ومن محبتهم وبغض المؤمنين وبغض الحق وأهله، قالوا: إنما نحن مصلحون، يعني: يقصدون أنهم يصلحون الأوضاع والسياسات، فيقولون: نحن نجاري هؤلاء وهؤلاء، وبذلك تصلح أحوالنا وتصلح أوضاعنا، وتكون هذه في زعمهم سياسة وعقلانية، فجعلوا ذلك صلاحاً.

فأخبر الله جل وعلا أنه فساد في الأرض؛ لأن كون الإنسان يكون مع المؤمنين في الظاهر ومع الكافرين في الباطن هذا من أعظم الإفساد.

ثم كل معصية يُعصى الله جل وعلا بها فهي فساد، والمعاصي لا تكون إلا على الأرض، أما السماء فالذي في السماء خلقهم الله جل وعلا لطاعته، فهم لا يعصون ما أمرهم الله جل وعلا به، ولكن الفساد إنما يكون في الأرض في برها وبحرها، ويكون الفساد فيها بالمعاصي.

فإذاً قوله: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ} [البقرة:١١] بمعنى: لا تعصوا ولا تخالفوا أمر الله، ولا تخالفوا أمر رسوله صلى الله عليه وسلم.