للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الهدى والخير في امتثال أمر الله ورسوله، ومن خالفها وقع في الحيرة والشك والانحراف]

وقد أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقول: {وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي} [سبأ:٥٠] أي: أن هدي الرسول صلى الله عليه وسلم بالوحي، فإذا كان هداه بالوحي فكيف يهتدي غيره بغير الوحي؟! هذا مستحيل لا يمكن.

فإذاً أصل القول بأن الواجب أن ينظر في مثل هذه الأمور إلى العقول قول باطل، ويسمون نظرهم وعقيدتهم وقواعدهم الكلامية يسمونها براهين قطعية، مع أنها في الواقع شكوك وسراب بقيعة إذا رآه الإنسان يحسبه شيئاً فإذا وجده لم تحصل على شيء، هذا هو الواقع.

ولهذا عند النهاية إذا كان الإنسان ذكياً من هؤلاء يحار، ويصبح يتمنى أن يكون مثل أمه، ومثل العجائز، ويقول: يا ليتني على دين العجائز مثل ما حصل لكثير من هؤلاء، حتى إن أحدهم يقول: إني إذا أمسيت أضع الملحفة على وجهي وأتفكر في دليل فلان ودليل فلان فيأتي الصباح وأنا لم أهتد إلى شيء، فالنوم يذهب عنه، والأكل يذهب عنه؛ لأنه في حيرة، وعند الموت يتمنى أنه على دين العجائز، كما قال الجويني عفا الله عنا وعنه لما حضره الموت قال يوصي أصحابه: لا تشتغلوا بالكلام، والله لو كنت أعرف أنه يصل بي إلى ما وصل ما اشتغلت به، وقد تركت أهل الإسلام وعلومهم وخضت البحر الخضم، والآن إن لم يتداركني ربي فالويل لي.

هكذا كان يقول، ثم يقول: وهأنذا لم أعرف شيئاً، بل أموت على عقيدة عجائز نيسابور.

وهل هذا صحيح؟ الشيء الذي في القلب لا يمكن يزول.

وكان يقرر عقيدته الفاسدة ويقول: كان الله ولا مكان، وهو الآن على ما كان عليه قبل خلق المكان، فأين كان؟ وأين هو الآن؟ هكذا يقول.

فقام رجل من المسلمين أمامه وكان على كرسي فقال له: دعنا من هذا الكلام، ولكن أخبرنا عن شيء نجده في أنفسنا وأنت تجده في نفسك ضرورة، ما قال قائل: يا الله إلا وجد دافعاً من نفسه يدفعه إلى أن يطلب ربه من فوق، وما يطلبه من أسفل، ولا يمين ولا شمال، ولا تحت، فأخبرنا كيف نزيل هذه الضرورة؟ كيف نصدها من نفوسنا؟ فسكت، وصار يفكر في نفسه، ثم وضع يده على رأسه ونزل وصار يبكي، ويقول: حيرني الرجل حيرني! حيره لأنه لم تكن عقيدته على أساس فحار.

ودخل رجل آخر على عالم من هؤلاء من كبرائهم وعظمائهم، دخل عليه في بيته فوجده مستغرقاً في الفكر، فسلم عليه فلم يرد عليه السلام، ثم أعاد عليه السلام ولم يرد عليه السلام، ثم أعاد السلام فلم يرد عليه؛ لأنه مشغول في فكره، عند ذلك قال الرجل المسلِّم: لابد أن هذا الرجل زال عقله فلماذا أجلس؟ أراد أن ينصرف، عند ذلك تنبه له فرفع رأسه وقال: يا فلان! ماذا تعتقد؟ فضحك به ساخراً، وقال: أعتقد ما يعتقده المسلمون، والحمد لله، فأطرق رأسه وجعل يبكي ويقول: ولكني -والله- ما أدري ماذا أعتقد فهذا رجل له من العمر ستون سنة، وهو يدرس ويناظر ويكتب ويتكلم، وبعد ذلك يقول: ولكني -والله- ما أدري ماذا اعتقد فكيف ذهب العمر وذهب التعب؟! وما السبب؟ السبب هو الإعراض عن كتاب الله، هذا هو السبب، أعرض عن كتاب الله وعن سنة رسوله صلى الله عليه وسلم فصار هذا جزاءه.

إذاً لا هدي ولا طمأنينة وإيمان إلا بكلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم، فمن اعترض على ذلك فلابد أن يضل، ولابد أن يحار، وإذا كان ذكياً وأصبحت الأدلة تتكافأ أمامه، ويجد دليل فلان يقابله دليل فلان، وكلما جاء بدليل أبطله الآخر فالنتيجة أنه سيحار ويصبح حائراً، أما كتاب الله فلا يمكن أن يبطل؛ لأنه حق، ولأنه من لدن حكيم عليم جل وعلا، وهو يخبر عن الواقع، فإذا اكتفى الإنسان وتحصن به فهو في طمأنينة وفي سكون وفي إيمان وفي عافية من هذا البلاء.

وقد سبق أن قلت: إن مبدأ هذا الشيء جاء من اليهود ومن النصارى ومن المجوس لأجل إفساد عقائد المسلمين، وليس عن أمور مقنعة، فأدخلوا هذه الأمور على المسلمين حتى يحصل الخلاف بينهم وتذهب ريحهم وتضعف قوتهم، هذا هو المقصود فقط؛ لأنهم ما استطاعوا أن يقابلوا المسلمين بالقوة ففي كل موطن يقابلونهم بالقوة يهزمهم الله جل وعلا ويجعل أموالهم غنيمة للمسلمين وأكتافهم ممنوحة لهم، فعند ذلك قالوا: لابد من الحيلة، ولابد من أن يقاتلوا في عقائدهم؛ لأن هذه العقيدة التي جاءوا بها لا يمكن أن تقاوم بالقوة المادية، حتى إذا فسدت أمكن ضعفهم، وهذا هو الواقع، ولا يزال هذا الأثر إلى الآن، وسيستمر إلى أن يشاء الله جل وعلا.

وسنة الله جل وعلا أنه جعل بين الحق وبين الباطل صراعاً يتصارع الحق مع الباطل دائماً، ولا يمكن أن يكون الباطل مصاحباً الحق، فهذه سنة الله جل وعلا في خلقه، ومن وقف مع كتاب الله جل وعلا ومع سنة رسوله صلى الله عليه وسلم فسوف يكون له النصر في نفسه، وقد يكون النصر متعدياً في نفسه ظاهراً حسب إرادة الله جل وعلا.