للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[إنكار قريش لاسم الرحمن وأسبابه]

قال الشارح رحمه الله تعالى: [قلت: وليس في هذه الآثار ونحوها ما يشعر بأن أسماء الله تعالى وصفاته من المتشابه، وما قال النفاة من أنها من المتشابه دعوى بلا برهان].

قال المصنف رحمه الله رحمة واسعة: [ولما سمعت قريش رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر الرحمن أنكروا ذلك، فأنزل الله فيهم: {وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ} [الرعد:٣٠]].

قال الشارح رحمه الله: [روى ابن جرير عن قتادة: {وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ} [الرعد:٣٠]: ذكر لنا أن النبي صلى الله عليه وسلم زمن الحديبية حين صالح قريشا كتب: (هذا ما صالح عليه محمد رسول الله.

فقال مشركوا قريش: لئن كنت رسول الله ثم قاتلناك لقد ظلمناك، ولكن اكتب: هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله.

فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله! دعنا نقاتلهم.

فقال: لا اكتبوا كما يريدون؛ إني محمد بن عبد الله، فلما كتب الكاتب (بسم الله الرحمن الرحيم) قالت قريش: أما الرحمن فلا نعرفه.

وكان أهل الجاهلية يكتبون (باسمك اللهم)، فقال أصحابه: دعنا نقاتلهم.

قال: لا ولكن اكتبوا كما يريدون).

وروي أيضا عن مجاهد قال: قوله: {كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهَا أُمَمٌ لِتَتْلُوَ عَلَيْهِمْ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ} [الرعد:٣٠] قال: هذا ما كاتب عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشاً في الحديبية، كتب (بسم الله الرحمن الرحيم) قالوا: لا تكتب الرحمن؛ لا ندري ما الرحمن؟ لا نكتب إلا (باسمك اللهم) قال تعالى: {وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ} [الرعد:٣٠] الآية.

وروي أيضاً عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو ساجداً: يا رحمن يا رحيم.

فقال المشركون: هذا يزعم أنه يدعو واحدا وهو يدعو مثنى مثنى! فأنزل الله: {قُلْ ادْعُوا اللَّهَ أَوْ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيّاً مَا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} [الإسراء:١١٠] الآية)].

في هذه الآية تعدد الأسباب والمعنى واحد، ولكن سبق أن هذا ليس من قريش كلها، وإنما من طائفة منهم، كما أنه عرف في أشعارهم ذكر (الرحمن) وأنهم يؤمنون به جاء في أشعارهم أشعار الجاهلية، وهذا من باب العناد والتكبر وإباء الحق، فأبوا، ومع ذلك وصفوا بأنهم كفرة: {وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ} [الرعد:٣٠] أي: ينكرونه لأن أصل الكفر هو الإنكار والجحود والتغطية، غطوه بجحودهم فعرف بأنه كفر، وعلى ذلك فالذي ينكر اسماً من أسماء الله جل وعلا يجوز أن يقال: إنه كافر كفر بهذا الاسم وجحده.

أما تعدد الأسباب في آية واحدة فهذا يقع، فيكون أكثر من سبب والمعنى واحد، ويكون المقصود المعنى، وكل سبب يكون داخلاً في هذا المعنى، وقد قال جل وعلا: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا} [الفرقان:٦٠]، فهذا كفر به وإنكار، وهذا يكون لبعضهم، ويجوز أن يكون ذلك أيضاً سبباً، فأنزل الله جل وعلا قوله تعالى: {وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ} [الرعد:٣٠].