للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[شرك الألفاظ]

يبين هذا ويوضحه أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما قال له الرجل: ما شاء الله وشئت، قال: (أجعلتني لله نداً؟)، ومن المعروف أن العبد له مشيئة يتصرف فيها، ولكن هذه المشيئة مخلوقة لله، وهو الذي وهبها للإنسان، ولما قال له: ما شاء الله وشئت في شيء فعله، قال: (أجعلتني لله نداً؟)، فلما جمع مشيئة الله ومشيئة الرسول صلى الله عليه وسلم بالواو كان الإشراك واقعاً، ثم قال عليه الصلاة والسلام: (قل: ما شاء الله ثم شئت)؛ لأن (ثم) تأتي للترتيب ولا تدل على الجمع والاشتراك، فهذا يدل على أن الشرك يحصل ولو في اللفظ، مع أن الذي قال له هذا القول لا يعتقد أنه شريك لله جل وعلا في أفعاله، لكنه لما جمع بين مشيئة الله ومشيئة الرسول صلى الله عليه وسلم بالواو قال: (أجعلتني لله نداً).

وكذلك لو قال الإنسان: لولا الله وفلان.

فيكون جاعلاً له نداً لما جمع بين الله جل وعلا وبين فلان في الفعل.

فهذه التنديدات تكون شركاً بالألفاظ، وهي قادحة في التوحيد ومنقصة له، ومثل ذلك ما سبق من إضافة النعم إلى أسبابها، فإنه يكون أيضاً من التنديد.

قال الشارح رحمه الله تعالى: [الند: المثل والنظير، وجعل الند لله هو صرف أنواع العبادة أو شيء منها لغير الله؛ كحال عبدة الأوثان الذين يعتقدون فيمن يدعونه ويرجونه أنه ينفعهم ويدفع عنهم ويشفع لهم.

وهذه الآية في سياق قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنْ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة:٢١ - ٢٢]، قال العماد بن كثير رحمه الله في تفسيره: قال أبو العالية: {فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَاداً}، أي: عدلاء شركاء.

وهكذا قال الربيع بن أنس وقتادة والسدي وأبو مالك وإسماعيل بن أبي خالد وقال ابن عباس: {فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} أي: لا تشركوا بالله شيئاً من الأنداد التي لا تنفع ولا تضر وأنتم تعلمون أنه ربكم لا رب لكم يرزقكم غيره، وقد علمتم أن الذي يدعوكم الرسول إليه من توحيده هو الحق الذي لا شك فيه.

وكذلك قال قتادة.

وعن قتادة ومجاهد: ((فلا تجعلوا لله أنداداً)) قال: أكفاء من الرجال تطيعونهم في معصية الله.

وقال ابن زيد: الأنداد هي الآلهة التي جعلوها معه، وجعلوا لها مثل ما جعلوا له.

وعن ابن عباس: ((فلا تجعلوا لله أنداداً)): أشباهاً.

وقال مجاهد رحمه الله: ((فلا تجعلوا لله أنداداً وأنتم تعلمون)) قال: تعلمون أنه إله واحد في التوراة والإنجيل.