للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[شرك الأوثان والأصنام]

ومن عادة السلف في تفسير القرآن: أن أحدهم يذكر الجزئية من المعنى الكلي للآية بحسب حاجة السامع، وإلا فالمعلوم أن خطاب الله جل وعلا في كتابه يشمل جميع أفراد ما دخل تحت هذا المعنى، والند ليس من اللازم أن يكون شبيهاً لله جل وعلا، فالله جل وعلا ليس له شبيه ومثيل تعالى وتقدس، ولكنه يدعى ذلك في شيء من الأشياء التي تجب أن تكون لله، وهذه الأشياء التي يمكن أن تكون لله هي الأفعال التي تصدر من المخلوق فقط، أما أفعال الله جل وعلا مثل: الخلق والرزق والإحياء والإماتة ومحاسبة الخلق وجزائهم وعقابهم وغير ذلك، فهذا لا يمكن أن يكون له ند فيه، ولا أحد يدعي أن الله جل وعلا يشاركه أحد في شيء من ذلك إلا إذا كان مكابراً أو في عقله آفة، فمثل هذا لا يلتفت إليه.

وإنما الأنداد التي تقع من العباد هي في أفعالهم التي تصدر منهم من التأله والدعاء والتعبد وما أشبه ذلك، وذلك كما إذا دعا الله ودعا معه مخلوقاً من المخلوقات سواء كان نبياً أو ملكاً أو ولياً أو غير ذلك فقد جعل لله نداً، وإن زعم أنه بذلك يتعلق بالوسيلة التي يزعم أنها تقربه إلى الله، فإن هذا ند لله جل وعلا؛ لأنه جل وعلا حكم أن لا يكون بينه وبين عبده وساطة في الدعاء والتعبد، بل يجب أن يتجه العبد إلى ربه في كل ما يهمه ولا يطلب من العبد أن يفعله؛ فإذا التفت إلى غير الله جل وعلا ولو في جزئية من الجزئيات فقد جعل لله نداً.

فهذا المقصود بالند الذي يصدر من العبد نفسه في اعتقاده وفعله، فلو أنه نذر للولي الفلاني أو القبر الفلاني وهو يعتقد أنه يقبل ذلك ويثيب عليه أو يعاقب عليه إذا لم يفعله، فهذا قد جعله نداً لله؛ لأن النذر عبادة يجب أن تكون لله خالصة.

وكذلك إذا جلس عند القبر يطلب البركة، أو طاف به، أو التمس البركة منه بأن يتمسح بجدرانه أو ما أشبه ذلك مما يفعله الجهال، أو أشباههم ممن هو محسوب على أهل العلم إذا فعل ذلك فقد جعل لله نداً؛ لأن التبرك وكذلك العكوف عبادة يجب أن تكون مطلوبة من الله جل وعلا لا من غيره.

وكذلك في الألفاظ كما سيأتي، فإن الألفاظ التي تضاف إلى الأفعال الصادرة من الله أو الواقعة في قوله، يجب أن تكون لله وحده، ولا تضاف إلى سبب ولا جزء السبب؛ فإذا قال الإنسان: لولا الله وفلان، شاء الله وشاء فلان، وما أشبه ذلك، فإن هذا من التنديد، وكل هذه أمور جزئية، وهي من الأقوال التي تدخل في قوله جل وعلا: {فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَاداً}، مع أن ظاهر الآية أنها نزلت في العبادة التي وقعت من الكفار لأصنامهم، ولكن كثيراً من الناس اليوم لا يعرف العبادة التي تصدر من المشركين، ويظن أنها إنما كانت سجوداً وركوعاً، وأنهم يعتقدون أن هذه الأصنام شريكة لله في التصرف، وهذا ظن بعيد عن الواقع جداً؛ إذ كانوا يعبدون أشجاراً وأحجاراً والملائكة والجن والأنبياء وغيرهم، فكل عبادتهم لهم جميعاً يطلبون بها وساطة لهم عند الله ويطلبون شفاعتها، كما أخبر الله جل وعلا عنهم في ذلك فقال: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إلى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر:٣]، وهم يعلمون أنهم ليس لهم من الأمر شيء، وأن الأمر كله لله، ولكنهم قاسوا ما يطلبونه من الله على ما يقع بينهم عند المعظمين من بني آدم، فقالوا: إذا كان لك حاجة عند الملك وأردت أن تحصل لك فاذهب إلى من هو قريب منه من وزير أو أمير أو ما أشبه ذلك، فتجعله وساطة لك حتى تلبى حاجتك، وزعموا أنك إذا جعلت وساطة بينك وبين الله أن هذا من باب التعظيم، لكنه قياس فاسد، وذلك أن الله جل وعلا ليس دونه حجب، وليس له أعوان، ولا يخفى عليه شيء، ولا يمكن أن تخفى عليه بعض حاجات العباد حتى يوصلها بعضهم إليه ويعلمه بها تعالى الله وتقدس عن ذلك.

فكل الشرك جاء من باب القياس الفاسد، قياس الخالق على المخلوق.

والمقصود: أن عبادة الكفار كانت طلب الشفاعة ممن يتوجهون إليهم، سواء كانت أشجاراً أو أحجاراً أو أولياء أو ملائكة أو أنبياء أو غيرهم، فهم يدعون من يدعونه ويقولون: (حتى يقربنا إلى الله زلفى)، يعني: يتوسط لنا فيشفع لنا؛ ولهذا ذكر الله جل وعلا الشفاعة في أماكن متعددة في الكتاب، وأن الشفاعة التي يطلبها الكفار غير واقعة.