للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الصلاة وعظم قدرها في الشرع]

قال: (وآمركم بالصلاة)، وهذا دليل على أن الصلاة كانت مفروضة على بني إسرائيل، ولكنها ليست على مثل هذه الصفة التي فرضت علينا، ثم قال: (فإن الله ينصب وجهه لوجه المصلي مالم يلتفت)، ومعنى ذلك: أن المصلي إذا قام في الصلاة أن الله يستقبله وينظر إليه، وقوله: (ما لم يلتفت)، يعني: أنه إذا التفت انصرف الله عنه وتركه، ومن يرضى بأن ينصرف الرب جل وعلا عنه في صلاته؟ ثم الالتفات هنا يقصد به شيئان: الالتفات بالبدن عن القبلة ولو التفت تكون صلاته باطلة، ويعرض الله جل وعلا عنه، والالتفات إذا كان بالبدن جميعاً بحيث صارت القبلة عن يساره أو يمينه أو خلفه فإن الصلاة تكون باطلة، أما إذا التفت برأسه وبدنه مستقبل القبلة؛ فمثل هذا يكون مكروهاً، وهو اختلاس من الشيطان يختلسه به من صلاة العبد، وينقصها، وإما أن يكون شيئاً يسيراً لحاجة؛ فلا بأس به.

القسم الثاني: التفات القلب، وهو أعظم من التفات البدن، ويظهر أنه هو المقصود في الحديث؛ لأن روح الصلاة حضور القلب وخشوعه، فإذا التفت الإنسان بقلبه إلى غير ما هو فيه من صلاته؛ فإن الله يعرض عنه، ويكله إلى ما اشتغل به من أفكار الدنيا وغيرها.

وعلى هذا يجب على العبد أن يحرس قلبه عن الاشتغال في الصلاة بغير صلاته، والتفكر فيما يقوله ويسمعه ويفعله، فإنه إذا دخل في الصلاة ورفع يديه وكبر كأن معنى ذلك: أن الحجاب رفع بينه وبين ربه، فهو يقابل ربه فليفكر ماذا يقول له، وهل هناك شيء أكبر من الله؟ يجب أن يكون في قلبه تقدير لله جل وعلا، وأنه أكبر من كل شيء؛ فلا يلتفت إلى غير ربه جل وعلا، ثم يفكر بما يقول ويتأمله، ويجاهد الوساوس والشيطان، وأحرص ما يكون الشيطان على إفساد صلاة العبد؛ ولهذا جاء: (أنه إذا سمع النداء ذهب وله ضراط)؛ لأنه الذكر يطرده، فإذا انقطع صوت المؤذن جاء مسرعاً إلى المصلي، ويقول: له اذكر كذا اذكر كذا، ويذكره بالأشياء التي لم يكن يذكرها.

ثم هو يعرف قلب الإنسان ويدرك ميوله إلى أي شيء يكون؛ فيذكر له الأشياء التي يميل قلبه إليها، فيذكره بها ليشتغل بها عن الصلاة، فيجب أن يجاهد الإنسان نفسه ويجاهد الشيطان في هذه الدقائق القصيرة، حتى لا ينصرف الرب جل وعلا عنه ويعرض عنه، وهذا من الأمور المهمة جداً والتي ينبغي للإنسان أن يتفطن لها وأن يعمل عليها، عله يكون ممن يستمع له ربه وينظر إليه في صلاته حتى ينتهي؛ فتكون صلاته محفوظة، ويكون من الذين أقاموا الصلاة؛ لأن إقامة الصلاة هي أن يأتي بها كاملة على الوجه المطلوب.