للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[من وصايا الرسول لأمته]

أضاف الرسول صلى الله عليه وسلم زيادة على تلك الوصايا خمساً فقال: (وأنا آمركم بخمس: بالجماعة) هذه واحدة، والجماعة معناها: الاجتماع على الحق، وأن يعتصم المسلمون بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، والجماعة ما كان هو الحق ولو كان عليه فرد واحد، أما إذا كان الناس على خلاف الحق فليسوا جماعة وإن كثروا، كما قال الصحابة رضوان الله عليهم: الجماعة من كان على الحق وإن كان وحده.

إذ قال الله جل وعلا: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً} [النحل:١٢٠].

الثانية: السمع.

الثالثة: الطاعة لولي الأمر، وولاة الأمور هم العلماء والأمراء، فالعلماء يبينون الحق والشرع والأمراء ينفذونه.

هؤلاء هم الذين يسمع لهم ويطاع ما أطاعوا الله جل وعلا، أما إذا أمروا بشيء فيه معصية فقد جاءت الأحاديث الصحيحة أنه لا سمع لهم ولا طاعة، فالسمع والطاعة فيما وافق الحق، وفيما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، فإن كان السمع والطاعة في الحق موافقاً له وجب على كل مأمور أن يقوم به وإن كان الآمر ظالماً، وإن كان يعتدي على الإنسان ويضربه ويأخذ ماله، فيجب أن يسمع له ويطيع ما دام أنه يأمر بما أمر الله به وأمر به رسوله وإن منع حقه؛ لأنه يطاع في أمر الله وأمر رسوله، أما الحق الذي منعه فهو يطلب من الله وسوف يحاسبه الله جل وعلا على ذلك، فأمره إلى الله كما بين الرسول صلى الله عليه وسلم هذا.

الرابعة: الهجرة، قال: (وآمركم بالهجرة) والهجرة هنا معناها: هجر المعاصي سواء كانت المعاصي مقاربة الكفار والمكوث معهم في ديارهم أو في أعمالهم فيجب أن تهجرهم، أو كانت غير ذلك.

و (تهجرها) أي: تتركها، فهي تشمل الانتقال من بلد الكفر أو البدع إلى بلد الحق والإسلام، وتشمل ترك المعاصي مطلقاً، فهذه كلها يأمر بها الرسول صلى الله عليه وسلم.

الخامسة: الجهاد في سبيل الله جل وعلا، فهو مما أمر به صلى الله عليه وسلم، وهذا الأمر به كثير في كتاب الله جل وعلا.

ثم نهى عن دعوى الجاهلية، ودعوى الجاهلية هي كل دعوى تخالف الإسلام، فالدعوة التي تكون ضد الخصلة الأولى -الجماعة- والتي تدعو إلى التفرق، كأن يكون هناك أحزاب أو جماعات، فيكون بينهم معاداة، وكل جماعة تعادي الأخرى، فهذا من أمر الجاهلية.

وكذلك كون الإنسان يجعل أسماء للمؤمنين والمسلمين ليست مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، أو يسميهم بأسماء تدل على سلوكهم ونهجهم وأعمالهم، فإن هذا أيضاً من دعوى الجاهلية؛ ولهذا قال: (فادعوا المسلمين بأسمائهم التي سماهم الله عز وجل: المسلمين، المؤمنين، عباد الله)، ثم أخبر أن من صنع ذلك فإنه من جُثى جهنم، يعني: أنه يجثى ويلقى فيها، فقالوا له: (وإن صلى وصام؟ قال: وإن صلى وصام وزعم أنه مسلم).

فهذا حديث عظيم والشاهد فيه: قول يحيى بن زكريا عليه السلام: (آمركم أن تعبدوا الله وحده)، وهذه الخصلة هي دين الله جل وعلا منذ بعث الرسل إلى قيام الساعة وهم متفقون على هذا، وعلى وجوب عبادة الله وحده، وأن المشرك خارج على أمر الله، وعلى العقل والفطرة.

[وهذا حديث حسن].

الحديث صحيح ثابت رواه الإمام أحمد، ورواه أبو يعلى في المسند، والحاكم في المستدرك، وهذا الحديث من الأحاديث التي استدركها الدارقطني على مسلم، يعني: ألزمه بها؛ لأن الدارقطني رحمه الله تعالى له كتاب الإلزامات التي يقول: إنه يلزم الإمام مسلماً أن يخرجها؛ لأنها على شرطه، فهذا منها، وهذا الحديث التي من هذه الأحاديث ذكرها الدارقطني، والحديث ثابت لا شك فيه.