للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[كفر من حلف بغير الله]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من حلف بغير لله فقد كفر أو أشرك)، رواه الترمذي وحسنه، وصححه الحاكم].

قوله في هذا الحديث: (من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك)، الحلف يراد به: تأكيد المحلوف عليه بذكر اسم الله العظيم الذي يعاقب الكاذب إذا كان كاذباً، ويثيب الصادق ويعلم صدقه ويطلع على ذلك ويثيب عليه، ولا يجوز الحلف بغير الله جل وعلا أو بصفة من صفاته؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت).

وفي هذا: (من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك) قيل: إن (أو) هنا للشك، يعني: شك الصحابي هل قال النبي صلى الله عليه وسلم: كفر، أو قال: أشرك، وقيل: إنها بمعنى الواو.

يعني: أنه وقع في الكفر والشرك؛ لأن الشرك يكون كفراً، وإن كان من الشرك الأصغر فهو من الكفر الأصغر، أما إذا كان من الشرك الأكبر فهو من الكفر الأكبر.

والعلماء قسموا الكفر إلى أقسام خمسة: أحدها: الشرك، والشرك قسم إلى أقسام منها: شرك الدعوة، وشرك المحبة، وشرك الطاعة.

وفي هذا نص على أن الحلف بغير الله لا يجوز؛ لأنه محرم، وهو من التنديد الداخل تحت قوله تعالى: {فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة:٢٢].

والحلف قد يدخل في شرك الربوبية، وقد يدخل في شرك العبادة، ومعلوم أن التنديد بواحد من أنواع التوحيد هو من أعظم الذنوب كما في الحديث الصحيح عن ابن مسعود: (قلت: يا رسول الله! أيُّ الذنب أعظم؟ قال: أن تجعل لله نداً وهو خلقك)، والند هو الشبيه والنظير ولو في صفة من الصفات، أو بحق من الحقوق، أو بفعل من الأفعال، وسيأتي قوله صلى الله عليه وسلم في الرجل الذي قال: ما شاء الله وشئت، أنه قال له: (أجعلتني لله نداً؟! بل ما شاء الله وحده)، وفي هذا أن الحلف بغير لله يكون تنديداً وشركاً، وتختلف درجته باختلاف الحالف، فإن كان الحالف جرى ذلك على لسانه من غير قصد، أو أنه تكلم بهذا وهو لا يريد تعظيم المحلوف به التعظيم الذي يوصله إلى العبادة؛ أو أنه ناسٍ أو ساهٍ، فهذا يكون من الشرك الأصغر؛ شرك الألفاظ التي يجب أن يطهر المسلم لسانه منها.

أما إذا كان يقصد بذلك تعظيم المحلوف به، واقترن مع ذلك عقيدته في أنه يطلع على حاله، وأنه قد يعاقبه؛ فإن هذا يكون من الشرك الأكبر الذي يخرج من الدين الإسلامي.

ثم الحلف بغير الله لا يجوز بأي شيء كان: لا بالأمانة، ولا بالذمة، ولا بالكعبة، ولا بالنبي، ولا بالملائكة، ولا بالسماء، ولا بغير ذلك من مخلوقات الله، وما قاله بعض العلماء من أنه استثنى من ذلك الحلف بالنبي صلى الله عليه وسلم أنه جائز؛ فهذا باطل لا دليل عليه؛ فالرسول صلى الله عليه وسلم إنما جاء بإخلاص الدين لله جل وعلا، فلا يجوز أن يشرك بالله جل وعلا في شيء من الأشياء: لا بالحلف ولا بالفعل الذي قد يضاف مثلاً إلى سببه كما سيأتي، ولا التصرف، ولا في التأله، ولا الحب والتعظيم، ولا الابتلاء، ولا في شيء من خصائص الله جل وعلا.

ثم إن الشرك وإن كان في الألفاظ وإن كان غير مقصود فإنه عظيم، حتى كان يجري على اللسان من غير قصد فإنه أعظم من الكبائر، فيجب على المسلم أن يتوب من ذلك.