للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ذكر المسائل التي اشتمل عليها الباب]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [فيه مسائل: - الأولى: تفسير آية البقرة في الأنداد].

آية البقرة هي قوله جل وعلا: {فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة:٢٢]، وهي في سياق قوله جل وعلا: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة:٢١ - ٢٢].

أي: يعلمون أن ما ذكر يختص بالله الذي خلقهم، وخلق من قبلهم، وهو الذي جعل الأرض على هذه الصفة، وجعل السماء فوق الأرض مبنية، وهو الذي ينزل من السماء ماء فينبت به النبات الذي يأكلون منه وتأكل منه أنعامهم يعلمون أنه لا يشاركه في ذلك شيء، وإذا كانوا يعلمون أنه لا مشارك له في هذه الأفعال فيجب أن تكون العبادة له وحده، ولا يجوز أن يتوجه إلى شيء من المخلوقات، سواء كانت من الأحياء المتصرفة أو الجمادات بأن يجعلوها وسائط بينهم وبين الله يدعونها ويزعمون أنها تقربهم، فإن هذا من الضلال.

هذه إقامة الحجة عليهم بالشيء الذي يقرون به وبالشيء الذي يرتكبونه وينكرونه.

ثم يدخل في هذا ما ذكر بعد ذلك كله من قول: لولا الله وفلان؛ هذا بحسب الألفاظ، وكذلك بالحلف بغير الله، وكذلك التشريك في الشيء الصغير والكبير حتى بالألفاظ التي تدخل في التنديد، كما بين ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكما ذكره ابن عباس صريحاً.

[المسألة الثانية: أن الصحابة رضي الله عنهم يفسرون الآية النازلة بالشرك الأكبر أنها تعم الأصغر].

يعني: أنها تعم الشرك عموماً صغيره وكبيره، وإن قصد بها في الأصل الشرك الأكبر، ولكن الأصغر يدخل فيها، فإن الشرك كله منهي عنه.

[المسألة الثالثة: أن الحلف بغير الله شرك].

لحديث: (فقد كفر أو أشرك) ووجه كونه شركاً: ما سبق أنه يذكر اسم المحلوف عليه تعظيماً له، وتصديقاً للخبر، فهو كأنه يقول: إن كنت كاذباً فهذا الذي ذكرته يعاقبني، وإن كنت صادقاً فهو يثيبني، وأن هذا المذكور يطلع على ما أقوله، وإذا كان بهذا المعنى فقد دخل في الشرك الأكبر، وليس الأصغر، وإنما يكون من الشرك الأصغر إذا جرى على اللسان مجرداً عن هذا المعنى فقط بدون أن يكون في نيته أنه يعاقب، أو يطلع، أو يثيب.

[المسألة الرابعة: أنه إذا حلف بغير الله صادقاً فهو أكبر من اليمين الغموس].

اليمين الغموس: هي أن يحلف الإنسان عند الحاكم على مال لغيره كاذباً فيقتطعه بيمينه، وقد جاء في خطبة الرسول صلى الله عليه وسلم يوم الحج الأكبر أنه قال: (من اقتطع مال امرئ مسلم بغير حق لقي الله وهو عليه غضبان).

والحلف بغير الله صادقاً أكبر من هذا، وذلك أن الحلف بغير الله شرك، والشرك أعظم الذنوب، وأما اليمين الغموس فهي من الجرائم، والموبقات، ولكنها لا تصل إلى الشرك.

[المسألة الخامسة: الفرق بين الواو وثم في اللفظ].

الفرق: أن الواو تقتضي مطلق الجمع، والتسوية بين المعطوف عليه والمعطوف.

أما (ثم) فإنها تدل على التراخي مع الترتيب فيختلف الحكم في العطف بها، ولهذا أذن صلى الله عليه وسلم بأن يقول: لولا الله ثم أنت، ولا يقول: لولا الله وأنت، وما أشبه ذلك، فثم تختلف عنها؛ لأن هذا وضعها في اللغة العربية، وهذا لمن يفهم اللغة، أما الذي لا يفهمها، ويقول (ثم) ومقصده التسوية أو المشاركة، فالحكم واحد وهو آثم، وواقع في الشرك.