للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الأنبياء وحاجتهم إلى الله تعالى]

[المسألة الثامنة: كون الأنبياء يحتاجون للتنبيه على فضل لا إله إلا الله.

] هذا واضح من الحديث الذي رواه ابن حبان في صحيحه وغيره، وهو (أن موسى عليه السلام قال: يا رب! علمني شيئاً أذكرك وأدعوك به.

فقال: يا موسى! قل: (لا إله إلا الله) قال: يا رب! كل عبادك يقولون هذا.

وإنما أريد شيئاً تخصني به! فقال: يا موسى! لو أن السماوات السبع وعامرهن غيري، والأرضين السبع وضعت في كفة و (لا إله إلا الله) في كفة مالت بهن (لا إله إلا الله))، فهذا واضح؛ لأن فيه التنبيه على فضل هذه الكلمة لكليم الله جل وعلا الذي كلمه واصطفاه بكلامه، فهو على هذا، فإذاً الأنبياء لا يعلمون، إنما علمهم الله جل وعلا العلم الذي لم يوحه الله جل وعلا إليهم، فهم بحاجة إلى تعليم الله جل وعلا لهم، ولم يستغنوا عن الله جل وعلا طرفة عين، ولم يستغن أحد من خلق الله عنه، بل إذا حصل خير فمن الله، وقد قال الله جل وعلا لنبيه: {إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي} [سبأ:٥٠]؛ لأن الضلال من عند النفس والفعل، وأما الاهتداء فبالوحي الذي اهتدى به رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذلك غيره، وهذا لا يقتضي عدم التعظيم للرسل، بل يجب معرفة حقوق الرسل ومعرفة قدرهم، ولكن لا يجوز أن يعطوا شيئاً مما هو لله جل وعلا، فيجب على الإنسان أن يكون متبعاً لربه جل وعلا، ويكون عبداً له، ولا يكون عبداً لمخلوق مهما كان رسولاً أو ملكاً أو غير ذلك، وهذا في الواقع يبين أن كثيراً من الناس اغتر وغلا حتى خلط بين حق الله وحق الرسول، بل جعل بعض خصائص الله أو كثيراً منها أو كلها لغير الله جل وعلا، ولا سيما الشعراء الذين صار حظهم من اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم المدح والإطراء الذي حذر منه رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما يقول صاحب البردة: يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به سواك عند حلول الحادث العمم يقول: إذا حدث أمر يعم الخلق بالكرب والعذاب فليس لي ملجأ إلا أنت ألجأ إليك من هذا الكرب فإلى أين يذهب عن الله جل وعلا؟ يقول: يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به سواك عند حلول الحادث العمم إن لم تكن في معادي آخذاً بيدي فضلاً وإلا فقل يا زلة القدم يعني: إن لم يأخذ بيده رسول الله صلى الله عليه وسلم فقدمه تزل لأنه هالك ومذنب.

ويقول: فإن من جودك الدنيا وضرتها.

وضرة الدنيا هي الآخرة، و (من) هذه تبعيضية، يعني: من بعض جود الرسول صلى الله عليه وسلم الدنيا والآخرة.

فماذا بقي لله؟! فإن من جودك الدنيا وضرتها ومن علومك علم اللوح والقلم ويا للعجب! القلم الذي كتب الله به كل شيء، واللوح المحفوظ الذي فيه كل شيء من جملة علوم النبي صلى الله عليه وسلم.

وهذا ما وصل إليه شرك المشركين الذين عبدوا اللات والعزى وغيرهم، وكثير من هذا القبيل، ثم إن كثيراً من الناس يجعل هذه القصيدة شبه الورد، ويحفظها مثلما يحفظ الفاتحة لأجل هذا الإطراء وهذا الغرور، ولن ينفعه ذلك، وإنما ينفعه الاتكال على الله جل وعلا وإخلاص الدعوة له، وإلا فهو صلوات الله وسلامه عليه يقول لأقرب الناس إليه -وهي ابنته فاطمة رضي الله عنها-: (لا أغني عنك من الله شيئاً، سلني من مالي ما شئت)، ويقول لأصحابه: (لا ألفين أحدكم يوم القيامة يأتي وعلى رأسه بعير له رغاء فيقول: يا رسول الله! أغثني.

فأقول: لا أملك لك من الله شيئاً، قد أبلغتك)، فهو صلوات الله وسلامه عليه أفضل الخلق، ولكنه ليس له مع الله شيء، والشفاعة التي يزعم البوصيري أنه يملكها كذب على الله جل وعلا، فما يملك من الشفاعة إلا إذا أذن الله له، والله جل وعلا يقول: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} [البقرة:٢٥٥]، وهم يطلبون الشفاعة منه، والشفاعة لا تطلب من الرسول صلى الله عليه وسلم، وإنما تطلب من الله، يقول جل وعلا: {أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ} [الزمر:٤٣]، ويقول: {قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [الزمر:٤٤]، فليس لأحد شيء من الشفاعة، فالشفاعة لله، ولكنه إذا أراد رحمة أحد من أهل التوحيد أذن لمن يريد أن يكرمه بأن يشفع، والأمر له، ولهذا بين ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم بياناً واضحاً كما سيأتي، فليس لهؤلاء الذين غلوا وضلوا وجانبوا الحق متعلق بالشفاعة؛ فإن الله جل وعلا وضح ذلك وبينه.