للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[صفات الله تعالى تمر كما جاءت بلا تأويل]

قال الشارح رحمه الله: [وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: (خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم متكئاً على عصا فقمنا إليه فقال: لا تقوموا كما تقوم الأعاجم، يعظم بعضهم بعضاً) رواه أبو داود.

وقوله: (أغيظ رجل) هذا من الصفات التي تمر كما جاءت، وليس شيء مما ورد في الكتاب والسنة إلا ويجب اتباع الكتاب والسنة في ذلك، وإثباته على وجه يليق بجلال الله وعظمته تعالى، إثباتاً بلا تمثيل، وتنزيهاً بلا تعطيل كما تقدم، والباب كله واحد، وهذا هو قول أهل السنة والجماعة من الصحابة والتابعين فمن بعدهم من الفرقة الناجية من الثلاث والسبعين فرقة، وهذا التفرق والاختلاف إنما حدث في أواخر القرن الثالث وما بعده، كما لا يخفى على من له معرفة بما وقع في الأمة من التفرق والاختلاف والخروج عن الصراط المستقيم.

والله المستعان].

قوله: (تمر كما جاءت) معناه: أن النص لا يفسر التفسير الذي يخرجه عن ظاهر لفظه، بل تفسيره ما يفهم من لفظه؛ لأن الغيظ والبغض والمحبة معروفة، وكل من سمع هذا عرف المعنى، ولكن يجب أن يعلم أن تغيظ الله وبغض الله وغضبه ليس كتغيظ المخلوق وبغضه وغضبه؛ لأن الله جل وعلا في ذاته لا يشبهه شيء، وكذلك أوصافه؛ والوصف يكون تابعاً للموصوف، والأسماء كذلك، وإن شارك المخلوق الرب جل وعلا في شيء من الأسماء في اللفظ أو في المعنى، مثل: ملك، فالإنسان يُسمى ملكاً، والله جل وعلا مالك يوم الدين وملك يوم الدين، كما جاء ذلك في القراءات، وكما يسمى المخلوق: رءوفاً، والله جل وعلا رءوف رحيم، وقد سمى الله رسوله صلى الله عليه وسلم رءوفاً رحيماً فقال: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة:١٢٨]، فالرأفة والرحمة تليق بالمخلوق إذا أضيفت إليه، وإذا أضيفت إلى الله جل وعلا فهي خاصة به لا يشاركه المخلوق فيها، وكذلك سائر الأسماء على هذا الباب، فهذا معنى قوله: (تمر كما جاءت) يعني: على ظاهر ما يفهم من اللفظ، فلا يجوز أن تؤول التأويل الذي يخرجها عن معانيها، كما يفعله أهل التفرق والاختلاف وأهل البدع، بل هذا مسلك الصحابة ومن سار معهم؛ لأنهم يقدرون الله حق قدره، ويعلمون أن الله جل وعلا لا يشاركه مخلوق في خصائصه التي تخصه من الأسماء والصفات، كما أنه لا يشاركه أحد من الخلق في ذاته تعالى وتقدس.