للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الله هو الحكم في الدنيا والآخرة]

قال الشارح رحمه الله تعالى: [قوله: (وإليه الحكم في الدنيا والآخرة) كما قال تعالى: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ} [الشورى:١٠]، وقال: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} [النساء:٥٩].

فالحكم إلى الله هو الحكم إلى كتابه].

يعني: الحكم إلى الله في الدنيا إلى كتابه.

[والحكم إلى رسوله هو الحكم إليه في حياته وإلى سنته بعد وفاته.

وقد قال صلى الله عليه وسلم لـ معاذ لما بعثه إلى اليمن: (بمَ تحكم؟ قال: بكتاب الله، قال: فإن لم تجد؟ قال: بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فإن لم تجد؟ قال: أجتهد رأيي، فقال: الحمد لله الذي وفق رسولَ رسولِ الله إلى ما يرضي رسول الله)].

هذا الحديث ضعيف؛ لأن في سنده: عن أصحاب معاذ عن معاذ، وأصحاب معاذ مجهولون، لم يسم منهم أحد، ومعلوم أن الجهالة من أسباب رد الحديث وضعفه، فلابد أن يعرف الراوي، ولكن بعض العلماء يقول: إن شهرته وقبول الفقهاء له وتلقيهم له يغني عن سنده، كما يقول ذلك ابن عبد البر وغيره، فالقول به وتصحيحه ليس من ناحية السند وإنما هو من جهة قبوله؛ لأن الأمة إذا أجمعت على شيء لابد أن يكون حقاً، وهذا قد اشتهر عند العلماء، فيقول: إن هذا يغني عن السند -وإن كان سنده ضعيفاً- فيكون صحيحاً.

قال الشارح رحمه الله تعالى: [فـ معاذ من أجل علماء الصحابة بالأحكام ومعرفة الحلال من الحرام، ومعرفة أحكام الكتاب والسنة، ولهذا ساغ له الاجتهاد إذا لم يجد للقضية حكماً في كتاب الله ولا في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، بخلاف ما يقع اليوم وقبله من أهل التفريط في الأحكام، ممن يجهل حكم الله في كتابه وسنة رسوله، فيظن أن الاجتهاد يسوغ له مع الجهل بأحكام الكتاب والسنة، وهيهات! وأما يوم القيامة فلا يحكم بين الخلق إلا الله عز وجل إذا نزل لفصل القضاء بين العباد، فيحكم بين خلقه بعلمه، وهو الذي لا يخفى عليه خافية من أعمال خلقه: {إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء:٤٠].

والحكم يوم القيامة إنما هو بالحسنات والسيئات، فيؤخذ للمظلوم من الظالم من حسناته بقدر ظلامته إن كان له حسنات، وإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات المظلوم فطرح على سيئات الظالم، لا يزيد على هذا مثقال ذرة ولا ينقص هذا عن حقه بمثقال ذرة.

قوله: (فإن قومي إذا اختلفوا في شئ أتوني فحكمت بينهم فرضي كلا الفريقين، فقال: (ما أحسن هذا!) فالمعنى -والله أعلم-: أن أبا شريح لما عرف منه قومه أنه صاحب إنصاف وتحر للعدل بينهم ومعرفة ما يرضيهم من الجانبين، صار عندهم مرضياً، وهذا هو الصلح؛ لأن مداره على الرضا لا على الإلزام، ولا على أحكام الكهان وأهل الكتاب من اليهود والنصارى، ولا على الاستناد إلى أوضاع أهل الجاهلية من أحكام كبرائهم وأسلافهم التي تخالف حكم الكتاب والسنة، كما قد يقع اليوم كثيراً، كحال الطواغيت الذين لا يلتفتون إلى حكم الله ولا إلى حكم رسوله، وإنما المعتمد عندهم ما حكموا به بأهوائهم وآرائهم.

وقد يلتحق بهذا بعض المقلدة لمن لم يسغ تقليده، فيعتمد على قول من قلده، ويترك ما هو الصواب الموافق لأصول الكتاب والسنة.

والله المستعان.

وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فما لك من الولد؟ قال: شريح ومسلم وعبد الله، قال: فمن أكبرهم؟ قلت: شريح، قال: فأنت أبو شريح) فيه تقديم الأكبر في الكنية وغيرها غالباً، وجاء هذا المعنى في غير ما حديث.

والله أعلم].