للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[مقصود الباب وجوب الشكر على النعم]

مقصود الباب: وجوب الشكر على النعم، وأن الذي لا يشكر نعمة الله جل وعلا يكون ناقص التوحيد، فهو لم يأت بالتوحيد الذي يجب عليه، وكذلك إذا وقع في كفران النعمة فإن هذا نوع من كفر الربوبية، وهو منقص للتوحيد وإن لم يكن ذاهباً به بالكلية، وهذا من تفسير شهادة أن لا إله إلا الله.

وقوله: (وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ) الضمير هنا في (أذقناه) يرجع إلى جنس الإنسان، فكل إنسان هذه طبيعته، إذا وقع في النعمة والسراء نسي ما حدث له من الكرب والضراء، وربما نسب ما وقع له من النعم إلى نفسه، وقال: هذا أنا حصلته بعملي، أو بسببي، أو بحسن تصرفي، أو بكوني ذكياً أعرف كيف أتصرف، أو بكوني أعرف طرق المكاسب، أو ما أشبه ذلك مما يضيفه الإنسان إلى نفسه، فإن هذا كله من كفر النعم.

والواجب على العبد إذا وقعت له نعمة من النعم، سواء كانت في بدنه أو في ماله أو في أولاده أو نعمة عامة، فيجب أن يضيفها إلى الله، وأن يشكره عليها، وأن يعلم أنه ليس له في نفسه قوة بأن يحصل هذه النعمة لولا أن الله جل وعلا تفضل بها عليه، وإن كان لها أسباب فإن الله هو الذي يخلق الأسباب ويهيئها، ولو شاء لعطل الأسباب، ولو شاء لم تأت النعم مع وجود الأسباب، ولهذا يذكر الله جل وعلا ذلك كثيراً، كما قال جل وعلا: {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ * أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ * لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ} [الواقعة:٦٣ - ٦٥] أي: يكون يابساً ليس فيه أي منفعة، ولكنها نعم الله جل وعلا.

وكذلك لما ذكر الماء الذي نشرب أخبرنا أنه هو الذي أنزله من المزن -من السحاب- وأنه لو شاء لجعله أجاجاً، يعني: مالحاً لا نستطيع شربه، وكذلك ما يتغذى به الإنسان، الشيء الذي يدخله في فمه لو شاء الله جل وعلا لم يأكله، ولم ينتفع به، ولو شاء لوقف في مكانه ولم يتفرق، فكل نعمة تصيب الإنسان يجب أن يعلم أولاً من قلبه أنها من الله، ثم يعمل جوارحه على شكر الله جل وعلا عليها، وأن يضيفها إلى ربه جل وعلا، وأن لا يضيف ذلك إلى نفسه، فإن إضافة النعم إلى النفس من شأن الكفار الذين ذكرهم الله جل وعلا، كما في هذه الآية وغيرها، الذين يكفرون بالله وبنعمه، ويضيفون ما يحصل لهم من النعم إلى صنعتهم، وإلى قوتهم، وإلى حسن تصرفهم، وينسون ربهم جل وعلا.

وقد جرت سنة الله جل وعلا في عباده أن الإنسان إذا اعترف بنعمة الله عليه وشكره عليها، وأثنى بها عليه، واستعملها في طاعته أن الله يزيده نعمةً على نعمة، أما إذا صرفها في المعصية، أو نسي المنعم بها، أو استعملها في المعاصي، وتقوى بها على معصية الله جل وعلا، وإن استمر على ذلك وقتاً فإن الوقت قليل وقصير، ولو كان عمر الإنسان كله فإن الله جل وعلا يعقبه سوءاً في حاله عاجلاً، وعذاباً في الآجل.

ومقصود الباب بذكر الآية: وجوب إضافة النعم إلى مسديها، ووجوب شكره عليها بالعمل بها في الطاعة، ومن لم يفعل ذلك لا يخلو: إما أن يكون جاحداً بالكلية، ومستعملاً النعمة في المعصية والكفر، فيكون خارجاً من الدين الإسلامي، أو يكون أقل من ذلك؛ لأنه لم يؤد شكر النعمة، ولم يستعملها في طاعة الله على ما ينبغي، وإن استعملها في شيء منها أو أنه يضيف منها في ذلك شيئاً إلى نفسه، فإنه يكون ناقص التوحيد، ويكون واجباً عليه أن يتوب من ذلك، ويشكر ربه جل وعلا ويعبده ويخضع له.