للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تفسير قوله تعالى: (فلما آتاهما صالحاً)

قوله جل وعلا: (فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا) آتاهما مثنى، وفي هذه الآية قولان للمفسرين: أحدهما: وهو مشهور جداً، وهو أكثر ما يذكره المفسرون، وبعض المفسرين لا يذكره إلا هو، وهو: أن الخطاب يعود إلى أبوي البشر آدم وحواء، وأن المقصود بذلك آدم وحواء، وذكروا حديثاً رواه الإمام أحمد في المسند والترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن آدم عليه السلام وزوجه كان يولد لهما مواليد فيسميانهم بعبد الله وعبد الرحمن وعبد الأحد - يعني: يعبدونهم لله جل وعلا- وكانوا يموتون، فأتاهم الشيطان فقال: سمياه عبد الحارث وإلا سأجعل في رأسه قرني أيل -والأيل معروف وهو الوعل- فيشق بطنك أو لا يخرج، فأبيا أن يسمياه بذلك، فولد ميتاً، ثم الثاني كذلك، ثم بعد ذلك أدركهما حب الولد فسمياه عبد الحارث فخرج سوياً)، قالوا: فهذا الحديث يفسر هذه الآية: {فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا} أي: صالحاً في بدنه ليس فيه عيب، وليس له قرون أيل {لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ * فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاء فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الأعراف:١٨٩ - ١٩٠]، قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: وهذا القول غير صحيح.

وقد صحت الأسانيد عن ابن عباس وقتادة وغيرهما أنه آدم وزوجه، ولكن يقول ابن كثير: الظاهر أن هذا مأخوذ عن أهل الكتاب، وأما الحديث فعلله ابن كثير بعلل ثلاث: العلة الأولى: أنه من رواية عمر بن إبراهيم، وعمر بن إبراهيم البصري قال أبو حاتم: لا يجوز الاحتجاج به، ولا يجوز الأخذ عنه، فهو ضعيف، ولكن هذا التعليل غير سليم؛ لأنه جاء من رواية غيره.

العلة الثانية: أنه جاء موقوفاً، ويجوز أن يكون المرفوع وهماً من بعض الرواة.

العلة الثالثة: أنه من رواية الحسن البصري، والحسن البصري صح عنه ما يخالف هذا، فقد قال: هذا ليس في آدم، هذا في بني آدم من المشركين، وهذا يدل على أن الحديث لم يصح عنده، إذ لو صح عنده عن النبي صلى الله عليه وسلم لما خالفه، والحسن البصري رحمه الله معروف بالورع وبالعلم وبالتقى، فلا يجرؤ على مخالفة حديث ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال الحافظ ابن كثير: ونحن على مذهب الحسن البصري، وقد برئنا من عهدة الحديث المرفوع، يعني: أنه ضعيف فلا يؤخذ به.

وأما الآثار المروية فيقول: الظاهر أنها مأخوذة عن أهل الكتاب مثل كعب الأحبار ووهب بن منبه وغيرهما من علماء أهل الكتاب الذين كثر النقل عنهم، وملئت كتب التفسير من أقوالهم، وبعضها مخالف لما في كتاب الله جل وعلا.

القول الثاني: أن المقصود جنس الزوج والزوجة، فهو خطاب لجنس الزوج والزوجة، وهذا هو الأقرب، وهو الصواب والله أعلم؛ لأن آدم عليه السلام لا يجوز أن يشرك بالله جل وعلا بعدما وقع فيما وقع فيه من إخراج الشيطان له ووسوسته له، فقد عرفه، فكيف يأتيه ويقول له: أنا أفعل كذا، وأجعل له قرن أيل في بطنك؟ وهل الشيطان يستطيع أن يفعل ذلك؟ وآدم عليه السلام أعلم بالله جل وعلا، وأتقى لله جل وعلا من أن يطيع الشيطان في هذا، فلا يجوز أن ينسب هذا إلى آدم، لاسيما على قول كثير من العلماء: إن الأنبياء معصومون، وقد روي أن الرسول صلى الله عليه وسلم سئل: هل آدم نبي؟ فقال: (نعم نبي مكلم) أي: كلمه الله جل وعلا، فهو رسول إلى بنيه.

إذاً: المقصود بالآية الزوج وزوجته، ولو لم يقع ذلك بالقول من الزوج؛ لأن الإنسان الذي يؤمن بالله، إذا أحس بأن زوجته قد حملت فإنه يسأل ربه جل وعلا أن يكون ولده صالحاً.

وصلاح الأولاد يشمل أمرين: أحدهما: صلاح الخلقة والبدن والصورة، أي: يكون صالحاً في خلقته وصورته، سليماً من العاهات التي تشوه.

الأمر الثاني: أن يكون صالحاً في دينه وفي فطرته وفي اتجاهه إلى الله جل وعلا.