للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حكم التسمي بعبد المطلب]

ومعنى قوله: (حاشا عبد المطلب) أن عبد المطلب فيه خلاف، فهو غير داخل في ذلك؛ والسبب في هذا كما قالوا: أن عبد المطلب ليس من عبودية الخضوع والذل، وإنما هو من عبودية الرق، وهو غير تسمية، فلم يسمه أهله بذلك، وإنما توهم ذلك توهماً؛ بسبب أن والده هاشم تزوج من بني النجار في المدينة، فولد له عبد المطلب واسمه: شيبة الحمد، هذا هو اسمه العلم، ويقال: إنه لما ولد وجد في رأسه شعرة بيضاء، فسمي شيبة، فتوفي والده وهو عند أخواله، يقول أهل النسب: إن أخواله قد اشترطوا على أبيه أن تكون الولادة عندهم، فبقي بعدما توفي والده عند أخواله حتى بلغ قريباً من سن الرشد، فأتى إليه عمه المطلب أخو أبيه؛ لينقله إلى أهله وإلى بلده مكة، فأردفه خلفه، وأصابته الشمس فتغير لونه، فلما دخل مكة به رأوه رديفاً له فقالوا: هذا عبد المطلب، ونُسي اسمه العلم، وصار يسمى بذلك، وهذا معنى كلام ابن حزم: فإن مثل هذا الاسم ما قصد للتعبيد.

وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول: (أنا ابن عبد المطلب)، وهو جد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووالده هو عبد الله؛ فلهذا أخرجوه عن الدخول في الإجماع، والنظر الواقع أنه لا معنى لإخراج هذا، بمعنى أنه لا يجوز أن يسمى: عبد المطلب؛ لأن المطلب شخص مخلوق، والذي يخرجه عن الإجماع لا يجعله مثل عبد علي أو عبد الحسين أو غير ذلك، وقد كان يوجد في قريش بنو عبد الدار وبنو عبد مناف وبنو عبد شمس، وأخبار قريش معروفة، ولكن هذه كانت في الجاهلية؛ ولهذا يذكر هذا في أنساب الصحابة رضوان الله عليهم.

في الصحيحين أنه قيل لأحد الصحابة: فررتم يوم حنين، فقال: ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثبت ولم يفر، وقد كان المشركون سبقوهم إلى المكان، وكانوا رماة، فأمطروا عليهم النبل، فهزموا، فركب الرسول صلى الله عليه وسلم بغلته، والبغلة لا تركب في الحرب، فجعل يقول: (أنا ابن عبد المطلب، أنا النبي لا كذب)، ويتقدم ويقول (اللهم أنزل نصرك)، وأمر العباس أن ينادي؛ لأنه كان صيتاً فقال: (يا أصحاب سورة البقرة! يا أهل بيعة الشجرة!) فمن سمع صوته حاول أن يرجع، فإن أبى بعيره الرجوع أخذ سلاحه، وألقى بنفسه من على ظهره ورجع، فرجعوا وقاتلوا أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي ذلك اليوم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الآن حمي الوطيس) ويقال: إن أول من قالها هو صلى الله عليه وسلم في تلك الوقعة، والمقصود أن قوله صلى الله عليه وسلم: (أنا ابن عبد المطلب) خبر عن شيء مضى ووقع، وكذلك غيره، ولا يدل هذا على جواز التسمية بعبد المطلب.

وقد ذكر ابن عبد البر رحمه الله في الاستيعاب: أن أحد الصحابة اسمه: عبد المطلب، لكن هذا غير صحيح، كما ذكره الحافظ بن حجر في الإصابة وغيره من العلماء، والصواب أن اسمه: المطلب، وليس عبد المطلب، ولا يوجد في الصحابة من اسمه: عبد المطلب، وأن الذي سماه عبد المطلب من الرواة قد أخطأ في ذلك، فاسمه: المطلب.

أما ما جاء في صحيح مسلم: أن ابن عبد ركانة طلق زوجته ألبتة، فهذا جاء بالتنوين (ابن عبدٍ)، ولم يأت بالعبودية، وهذا الذي صححه العلماء، فيكون ما استثناه ابن حزم رحمه الله لا معنى لإخراجه، فالصحابة اتفقوا على تحريم تعبيد الاسم لغير الله جل وعلا، فكل اسم لا يجوز أن يعبد لغير الله، فيجب أن تكون العبودية لله جل وعلا، وإن كانت هذه العبودية عبودية ظاهرة؛ لأنه لا يلزم إذا سمي عبد الله أن يكون عبداً لله، بل قد يكون عبداً للشيطان، ولكن هذه تسمية أهله، ويجب أن يسميه أهله معبداً لله جل وعلا، ويحرم أن يسموه عبد مخلوق من المخلوقات؛ وهذا لأن الله جل وعلا يقول في هذه الآية: {فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاء} [الأعراف:١٩٠] فيكون داخلاً في القصة المذكورة التي وقعت لبعض بني آدم ممن ولد له ولد صالح فجعل لله فيه شركاء بأن عبده لغير الله.