للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[معنى قوله: إن الله هو السلام وأقوال العلماء في ذلك]

قال الشارح: [ومعنى قوله: (إن الله هو السلام) أي: إن الله تعالى سالم من كل نقص، ومن كل تمثيل، فهو الموصوف بكل كمال، المنزه عن كل عيب ونقص.

قال العلامة ابن القيم رحمه الله في بدائع الفوائد: السلام: اسم مصدر، وهو من ألفاظ الدعاء، يتضمن الإنشاء والإخبار، فجهة الخبرية فيه لا تناقض الجهة الإنشائية، وهو معنى السلام المطلوب عند التحية، وفيه قولان مشهوران: الأول: أن الله عز وجل هو السلام، ومعنى الكلام: نزلت بركته عليكم، ونحو ذلك].

يعني: أن السلام اسم من أسماء الله، وقد جاء ذلك في الأسماء الحسنى: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ} [الحشر:٢٣].

قال: [فاختير في هذا المعنى من أسمائه عز وجل اسم السلام دون غيره من الأسماء.

الثاني: أن السلام مصدر بمعنى السلامة، وهو المطلوب المدعو به عند التحية].

فهذا يكون مجرد تحية، فهو يحييك بهذه الكلمة، وليس في ظنه إلا أنه يقول لك: أنت سالم مما ينالك من الأذى، وهذا هو المقصود من المسلم لأخيه المسلم، أن يخبره أنه لا يناله منه أذى، وإذا لقيه قال: السلام عليكم، فهو يشعره بأنه أخ له، وأنه لا يلحقه منه أذى.

وإذا قلنا: إنه اسم الله ففي ضمن ذلك الدعاء، وأن المسلم يدعو للمسلَّم عليه بالسلامة، أي: أنه يسلم من المكاره التي ستلحق كل مخلوق.

قال: [ومن حجة أصحاب هذا القول: أنه يأتي منكراً، فيقول المسلم: سلام عليكم، ولو كان اسماً من أسماء الله لم يستعمل كذلك، ومن حجتهم: أنه ليس المقصود من السلام هذا المعنى، وإنما المقصود منه: الإيذان بالسلامة خبراً ودعاء.

قال العلامة ابن القيم رحمه الله: وفصل الخطاب أن يقال: الحق في مجموع القولين، فكل منهما بعض الحق، والصواب في مجموعهما، وإنما يتبين ذلك بقاعدة وهي: أن حق من دعا الله بأسمائه الحسنى، أن يسأل في كل مطلوب، ويتوسل بالاسم المقتضي لذلك المطلوب المناسب لحصوله، حتى إن الداعي متشفع إلى الله تعالى، متوسل إليه به.

فإذا قال: رب اغفر لي وتب علي، إنك أنت التواب الغفور، فقد سأله أمرين، وتوسل إليه باسمين من أسمائه، مقتضيين لحصول مطلوبه، وقال صلى الله عليه وسلم لـ أبي بكر رضي الله عنه وقد سأله ما يدعو به؟ قال: قل: (اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك، وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم).

فالمقام لما كان مقام طلب السلامة التي هي أهم عند الرجل، أتى بلفظها بصيغة اسم من أسماء الله تعالى، وهو السلام الذي تطلب منه السلامة، فتضمن لفظ السلام معنيين: أحدهما: ذكر الله، والثاني: طلب السلامة، وهو مقصود المسلم].

يعني: أن المجموع في هذا أنه يذكر اسم الله طالباً بهذا الاسم السلامة للمسلَّم عليه، وفي ضمن هذا معنىً ثالث: وهو أنه يعلمه بأنه سالم من شره لا يناله منه شيء، فإذاً تكون المعاني ثلاثاً: ذكر، ودعاء، وإخبار.

ذكر الله باسمه، ودعاء له، وتوسل له بهذا الاسم أن يسلم هذا المسلَّم عليه من الآفات، وإعلامه بأنه لا يناله منه أذى، وهذا هو مقصود السلام.

وأما كونه جل وعلا تذكر أسماؤه عند كل طلب بما يناسب ذلك الطلب من الأسماء، فهذا هو الذي دل عليه القرآن وأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا طلب الإنسان الرزق يقول: يا رزاق! يا كريم! وإذا طلب التوبة يقول: يا تواب! يا رحيم! تب علي، وإذا طلب المغفرة يقول: يا غفور! يا رحيم! اغفر لي، ولا يقول: يا شديد العقاب! اغفر لي؛ لأن هذا لا يناسب ذلك، فهذا معنى قوله: (إنه عند كل طلب يتوسل باسمه المناسب لذلك الطلب)، هذا من المعاني التي ينبغي أن يعتني بها المسلم.