للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[آداب الدعاء وأسباب الإجابة]

ينبغي للسائل أن يلح في السؤال، وأن يكثر من السؤال، فالله جل وعلا أمر بالسؤال ووعد بالعطاء، قال تعالى: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر:٦٠] والمفسرون منهم من يقول: أي: ادعوني أعطكم، ومنهم من يقول: ادعوني أثبكم، والمعنى قريب، فالذي يقول: ادعوني أعطكم، معناه أنها مسألة معينة، وأنه يعطي على ذلك.

وأما الذي يقول: ادعوني أجبكم، معناه أنها عبادة، والعبادة يثاب عليها، والثواب قد يكون عاجلاً، وقد يكون عاجلاً وآجلاً، وقد يكون آجلاً في الآخرة.

فالمعنى أن الإنسان لن يخيب إذا سأل ربه، وقد يكون عند الإنسان موانع ترد مسألته من قبل نفسه؛ لأن الدعاء له موانع، فمن أعظم الموانع أن الإنسان يأكل حراماً ويلبس حراماً، جاء في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} [المؤمنون:٥١]، ثم ذكر الرجل يطيل السفر، أشعث رأسه، مغبرة قدماه، يرفع يديه إلى السماء يقول: يا رب! يا رب! ومطعمه حرام، وملبسه حرام، فأنى يستجاب له؟!).

وهذه الأمور تدل على إجابة الدعاء، كونه يبتذل، والابتذال مذلة، والافتقار مذلة، وكونه منكسر القلب، أشعث رأسه، مغبرة قدماه، وانكسار القلب سبب الإجابة، فإذا انكسر قلب الإنسان فمعناه أنه ذل لربه جل وعلا، وافتقر واستشعر الفقر والحاجة من ربه جل وعلا، وألح في ذلك، فالدعاء لا يرد إذا كان بهذه المثابة وبهذه الصفة إلا إن كان كما ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم.

ورفع اليدين في الدعاء من أسباب الإجابة، ولا يكره رفع اليدين في الدعاء إلا في العبادات التي جاءت مقيدة وليس فيها أصل الرفع كبعد صلاة الفريضة مباشرة إذا سلم، والعبادة يجب أن تكون على ما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يأمر به ويفعله، ما يزاد فيها.

ولكن في الدعاء العارض بعد الصلاة النافلة وما أشبه ذلك يرفع يديه، فرفع اليدين من أسباب الإجابة لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث: (إن الله حيي كريم، يستحي من عبده المؤمن أن يرفع يديه ثم يردهما صفراً) فهو كريم جل وعلا.

ومن أسباب إجابة الدعاء: لزوم الاسم المعظم: يا رب! يا رب! يا رب! يا رب! وتكراره، وقد جاء أن العبد إذا قال: يا رب! يا رب! فإن الله يقول: لبيك! ويعطيه ما يطلب، وقيل: إن هذا الاسم هو اسم الله الأعظم: يا رب! والرب هو الذي يقوم على مصالح وحاجات الخلق من الرزق، ودفع المؤذيات، وجلب المنافع.

ولهذا إذا تأمل الإنسان أدعية الرسل في القرآن، وجدها كلها بهذا اللفظ إلا ما شاء الله: يا رب! ربنا، ربنا، ربنا؛ ولهذا لا ينبغي للإنسان أن يعدل عن هذا الدعاء إلى غيره، وإنما يلزم هذا الاسم، فهو من أسباب الإجابة.