للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[شرح حديث: (من استعاذ بالله فأعيذوه)]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: لا يرد من سأل بالله.

عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من استعاذ بالله فأعيذوه، ومن سأل بالله فأعطوه، ومن دعاكم فأجيبوه، ومن صنع إليكم معروفاً فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئوه فادعوا له حتى تروا أنكم قد كافأتموه) رواه أبو داود والنسائي بسند صحيح].

(باب: لا يرد من سأل بالله) السؤال بالله يختلف، قد يكون السائل يسأل شيئاً فيه حق من مال مشترك، يكون له فيه شركة أو يسأل ذا سلطان مثلاً، فسؤال السلطان الحاكم ليس كسؤال الأفراد، فمثل هذا يجوز أن يسأل فيه، أما إذا كان له فيه حق فلا بأس أن يسأل، ولكن لا يسأل الشيء الذي يكون زائداً على حقه.

هذا من حيث العموم، والمقصود بالسؤال هنا سؤال المال، وقد سبق أن ذكرنا في بعض المناسبات أن سؤال الناس محرم، لا يجوز أن يسأل المخلوق إلا في حالة الضرورة، وحالة الضرورة كما جاء في حديث قبيصة الذي في صحيح مسلم، وقد بينها الرسول صلى الله عليه وسلم بحالات ثلاث فقط، وما عدا ذلك أخبر صلى الله عليه وسلم أن المسألة سحت، ومعنى السحت الحرام المحرم، وهذه الحالات هي: الحالة الأولى: إذا أصيب الإنسان بفاقة، يفتقر حتى ما يجد شيئاً، فتحل له المسألة حتى يجد ما يسد فافته، فإذا وجد ذلك يجب أن يكف عن المسألة، هذه واحدة.

الحالة الثانية: إذا أصيب الإنسان بجائحة في ماله، مثل أن يحترق ماله، أو ينتهب أو يغرق أو ما أشبه ذلك من الكوارث التي قد تصيب الإنسان في ماله، فمثل هذا يجوز له أن يسأل حتى يجد سداداً من العيش.

الحالة الثالثة: أن يتحمل الإنسان الأموال في سبيل الإصلاح بين المتنازعين والمختلفين والمتقاتلين من المسلمين، يتحمل أموالاً يدفعها لهم من باب الإصلاح، فمثل هذا -وإن كان غنياً- يجوز له أن يسأل حتى يجد الشيء الذي يسدده في المسألة، وما عدا ذلك فلا يجوز السؤال بحال، والسبب في منع السؤال أن فيه افتقار القلب إلى غير الله جل وعلا، والواجب على المسلم أن يكون فقيراً لربه جل وعلا، وفيه عبودية للقلب، فالعطاء والبذل قد يأسر القلب ويستعبده، والعبودية يجب أن تكون لله وحده، ولا يجوز أن تكون لمخلوق، فجاء الشرع والحكمة البالغة في سد هذا الباب، وجعل المسلم حراً بالنسبة لنظرائه من الناس.

أما بالنسبة لربه جل وعلا فهو عبد له، فتكون عبوديته كلها لله جل وعلا، ولا يكون شيء منها لغيره، هذا هو السبب في منع السؤال.

السؤال بالله يكون مثل هذا الذي ذكره المؤلف هنا، والسؤال ينقسم إلى أقسام: قد يسأل الإنسان شيئاً يلزمه شرعاً، مثل أن يسأل عن مسائل علم تلزمه، فمثل هذا لا يدخل في باب النهي، ولا يجوز أن يتوقف الإنسان؛ لأن الله أمر بذلك، فهو طاعة لله، ويقول جل وعلا: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل:٤٣]، فأوجب السؤال عن الذي لا يعلم، وهذا باب واسع، فكل ما يلزم الإنسان من أمور دينه فعليه أن يسأل، ولكن يتحرى من يسأله؛ لأنه من قبل كان العلماء يتحاشون عن الجواب كثيراً خوفاً من الله جل وعلا، والآن صار الكثير من الناس يجيب بلا مبالاة، قد يجيب بغلط، وقد يجيب بخطأ.

ولهذا ينبغي للإنسان أن يتحرى في المسألة الشيء الذي يكون فيه تبرئة لدينه، ولا يكون مثلما يقول بعض العوام: إن ذمته تبرأ إذا سأل، إذا سأل شخصاً برئت ذمته ولو أجابه خطأ، هذا غير صحيح، ولكن هو مخطئ، والمفتي مخطئ، كلاهما مخطئ.

من يسأل بالله إما أن يكون مضطراً مثلما سبق، فهذا يجب أن يعطى، ولكن ما يعطى الشيء الذي يضر بالمسئول أو يضر أهله، يعطيه الشيء الذي لا يضره، وواجب عليه أن يعطيه، والله جل وعلا قد أمر بالصدقة، وحث عليها، ومدح الباذلين الذين يؤثرون على أنفسهم غيرهم، فهذا من أفضل الأعمال وأعظمها، فكيف إذا وجه إليه السؤال؟ وإما أن يكون يسأل محرماً، كأن يسأل مثلاً مالاً، ويعرف أنه يريد أن يشتري به خمراً أو يشتري به دخاناً، فهذا لا ينفع؛ لأنه أعانه على الإثم.

وأما إذا كان يسأله مالاً ليأكل، أو ليلبس، أو ليدفع عنه الدين الذي لزمه؛ فهذا يجب أن يعطى إذا سأل بالله، ولكن ما يعطيه المعطي الشيء الذي يضره، يعطيه ما فضل عن حاجته، وهذا إذا لم يلتزم محرماً أو قطيعة رحم.