للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[عدم العجز والحرص على ما ينفع]

ثم قال صلى الله عليه وسلم مؤكداً هذا المعنى: (احرص على ما ينفعك)، وهنا أمر بالحرص، والأمر إما أن يكون واجب الامتثال، أو يكون على الأقل مستحباً، ومثل هذا لا يقال: إنه مستحب فقط؛ لأن من الحرص على ما ينفع فعل الصلاة وأداء الزكاة وصوم رمضان والحج وغير ذلك من الأفعال الواجبة.

قوله: (احرص على ما ينفعك ولا تعجزن) هنا تأكيد؛ لأن العجز هو عدم فعل السبب الممكن فعله، هذا هو العجز، التقاعس عن فعل السبب الذي يستطيع أن يفعله، يقال: عجز عنه، بمعنى ضعف عنه.

أما الشيء الذي لا يستطيع فعله فلا يوصف بأنه عجز عنه، والله جل وعلا يقول: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة:٢٨٦]، والوسع المقصود به هو الشيء الذي يفعله الإنسان بغير مشقة، هذا هو الصحيح في تفسير الوسع، أما إذا فعل الشيء بمشقة فإنه ليس بوسعه، فالله جل وعلا لم يشق على عباده فيما أمرهم به، بل يريد الله بهم اليسر ولا يريد بهم العسر إرادة شرعية.

فقوله: (احرص على ما ينفعك) أي: على فعل الطاعات وترك المعاصي هذا هو حقيقته، احرص على فعل الطاعة وقم بها واجتنب المعصية، هذا هو النافع في الواقع، وأمور الدنيا أيضاً يجب أن تكون موافقةً لما أمر الله جل وعلا به، فإن كانت في اكتساب مال فيجب أن يحرص على أن يكتسبه من طريق شرعي، بأن يكون حلالاً، حيث لو أنفق منه أثيب، وإذا تصدق منه أثيب، وإذا تركه لمن خلفه أثيب.

أما إذا كان من طريق غير شرعي فإنه إن أنفق منه لم يبارك له فيه، ولم يثب عليه، وإن أنفق منه أيضاً لم يقبل، وإن خلفه للورثه أيضاً لم يثب على ذلك بل يعاقب، فيكون حساباً ثم يكون عذاباً، وأمور الدنيا سبب لأمور الآخرة يجب أن يحرص عليها الإنسان.

ثم إذا حرص الإنسان وفعل السبب فليست الأسباب مرتبة على مسبباتها؛ لأنها قد تتخلف، ولأن الأسباب لها موانع، ولا يقع إلا ما أراده الله جل وعلا، فإذا وقع للإنسان الشيء الذي لا يريده وما كان يتوقعه فهنا له حالة أرشد الرسول صلى الله عليه وسلم إليها، وهي أن يرضى ويسلم، ويقول: الحمد لله، ويقول: هذا تقدير الله، وأنا مؤمن به وراضٍ.