للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[مناسبة باب النهي عن سب الريح لكتاب التوحيد]

[لأنها -أي: الريح- إنما تهب عن إيجاد الله تعالى وخلقه لها وأمره؛ لأنه هو الذي أوجدها وأمرها، فمسبتها مسبة للفاعل، وهو الله سبحانه، كما تقدم في النهي عن سب الدهر وهذا يشبهه، ولا يفعله إلا أهل الجهل بالله جل وعلا ودينه، وبما شرعه لعباده.

فنهى صلى الله عليه وآله وسلم أهل الإيمان عما يقوله أهل الجهل والجفاء، وأرشدهم إلى ما يجب أن يقال عند هبوب الرياح، فقال: (إذا رأيتم ما تكرهون، فقولوا: اللهم إنا نسألك من خير هذه الريح وخير ما فيها وخير ما أمرت به)، يعني: إذا رأيتم ما تكرهون من الريح إذا هبت، فارجعوا إلى ربكم بالتوحيد، وقولوا: (اللهم إنا نسألك من خير هذه الريح، وخير ما فيها، وخير ما أمرت به، ونعوذ بك من شر هذه الريح، وشر ما فيها، وشر ما أمرت به).

ففي هذا عبودية لله وطاعة له ولرسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، واستدفاع للشرور به، وتعرض لفضله ونعمته، وهذه حال أهل التوحيد والإيمان، خلافاً لحال أهل الفسوق والعصيان، الذين حرموا ذوق طعم التوحيد، الذي هو حقيقة الإيمان].

مناسبة الباب لكتاب التوحيد أن مسبة الريح ذنب قد يكون كبيراً ينافي التوحيد، وقد يكون أقل من ذلك فينافي كماله؛ لأن الذنوب كلها تنقص التوحيد، فإن كانت من الشرك بأن يكون يرى أن الريح هي التي تتصرف وتفعل بنفسها، فهذا من الشرك بالربوبية وهو مناف للتوحيد، وإذا سبها على أنها هي الفاعلة لذلك، وهي التي تستطيع أن تفعل وتمتنع فهو مناف للتوحيد بالكلية، أما إذا سبها على سبيل أنها سبب من الأسباب، فهذا من الذنوب التي تلطخ توحيد الإنسان.

ثم يجب أن يكون الإنسان متعلقاً بالله دائماً، وأن يرجع إليه عند كل ما ألم به، عند الرغبة والرهبة، ولا يجوز أن يلتفت إلى مخلوق، سواءً أكان ريحاً أم كان ميتاً من الأولياء؛ فإنهم لا يملكون شيئاً، وإنما يرجع إلى ربه في كشف المكروه، كما يلجأ إليه في استجلاب المرغوب فيه والنافع، فعلى العبد أن يتعلق بربه دائماً، وهذا هو حقيقة التوحيد، أن يكون قلبه متعلقاً بربه جل وعلا، ويرى أنه كلما حدث من شيء فإنه بإحداث الله جل وعلا، وأنه لا يصيبه إلا ما قدره الله، وأن كل نعمة تحصل له فهي من فضل الله جل وعلا وجوده وكرمه وعفوه، حيث عفا عنه؛ لأنه لو يؤاخذ الناس بما كسبوا ما ترك على ظهر الأرض أحداً.