للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الاعتراض على الله في جعله الخلق متفاوتين من ظن السوء به سبحانه]

وكذلك من أنكر شيئاً يتعلق بالإنسان نفسه، فقد يقع أيضاً في ظن السوء بالله جل وعلا، كأن يرى أنه لابد أن يكون غنياً ولكنه افتقر، واللائق به أن يكون صحيحاً وألا يناله مرض لأنه لا يستوجب ذلك، فإذا ناله شيء من الفقر أو من المصائب أو من الهموم أو من الأمراض فإنه يقول: هذه أمور وقعت خلاف ما ينبغي أن تقع وهذا أيضاً قد يؤول إلى الكفر بالله جل وعلا.

وقد ذكر ابن الجوزي رحمه الله أشياء عن بعض الناس تدل على أن كثيراً من النفوس عندها الاعتراض على الله، وإنما يكون هذا الاعتراض كامن فيها، فيعترض على الله في خلقه، ويقولون مثلاً: لماذا وجود الخلاف؟ يكون بعض الناس مريضاً وأجرب وما أشبه ذلك فيقولون: ما الحكمة من هذا؟ وهذا لا يفعله حكيم! تعالى الله وتقدس عما يقولون.

وينكرون أن يكون فلان فقيراً وفلان غنيا، ً حتى إن بعضهم قال: كان أحد الفقهاء الذين يعرفون بمعرفة الأحكام يتردد علي كثيراً.

يقول: فمرض فعدته، فسمعته يقول: ما هذا التعذيب؟ إن كان يريد أن يميتني فليس لهذا التعذيب معنى! ثم يقول: والله لو أنزلني الفردوس ما كان ذلك مشكوراً بعد هذا الذي حصل.

أعوذ بالله من سوء الخاتمة، فهذا كان فقيهاً ثم يصدر منه مثل هذا الكلام الجريء على الله، ويقول: لو أنزله الله الفردوس ما كان مشكوراً؛ لما حصل له من المرض.

وهذا خلاف المؤمن الذي إذا أصابه المرض فرح، فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا تسبوا الحمى؛ فإنها حظ المؤمن من النار)، أي: لأنها تمحص الذنوب.

وفي الصحيح عن ابن مسعود قال: (دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يوعك وعكاً شديداً، فقلت: يا رسول الله! إنك لتوعك وعكاً شديداً.

قال: نعم.

كما يوعك رجلان منكم فقلت: ذلك لأن لك أجرين؟ قال: نعم)، فمن فضل الله على الإنسان أن يعترف بأن كل ما وقع عليه هو بقدر الله جل وعلا، فيجب أن يحسن الظن بربه، وإن أدرك الإنسان الحكمة من ذلك فليطمئن، وإلا فعليه أن يسلم لربه جل وعلا حتى يكون عبداً لله، ولا يجوز أن يجعل مشاركاً لله في ذلك، ولا أن ينزل نفسه منزلة فوق منزلة الله -تعالى الله وتقدس- حتى يصبح يعترض على الله، فالشيطان لما أمره الله جل وعلا بالسجود لآدم اعترض على ربه وقال: كيف أؤمر بالسجود وأنا خير منه؟ لأن أصلي النار وهو أصله الطين فينبغي للقضية أن تعكس، وأن يؤمر هو بأن يسجد لي.

فقال -كما حكى الله عنه-: {أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} [ص:٧٦]، فهذا أصل الاعتراض على الله جل وعلا على أمره وتقديره، فالذي يسلك هذا المسلك فإنه يسير خلف الشيطان، نسأل الله العافية.