للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[مسائل مستفادة في الباب]

[قال المصنف رحمه الله تعالى: فيه مسائل: الأولى: تفسير آية آل عمران].

آية آل عمران قد تقدم تفسيرها.

[الثانية: تفسير آية الفتح.

الثالثة: الإخبار بأن ذلك أنواع لا تحصر].

يعني أن ظن السوء بالله أنواع كثيرة جداً، كما قال ابن القيم رحمه الله: أكثر الناس يظنون بالله ظن السوء، وهذا يكون كامناً في النفس كمون النار في الزناد، فإذا جاءت مناسبة ظهر ذلك على اللسان، وظهر من الفعل ما يكون شاهداً لمن له سمع وبصر يسمع ويرى.

فإنما يخاف ربه جل وعلا من علم مقتضى حكمته ومقتضى أسمائه، فإذا سلم الإنسان من أن يظن بربه جل وعلا خلاف حكمته وخلاف مقتضى أسمائه وخلاف الحق فإنه يكون سالماً ناجياً بإذن الله تعالى، وإن لم يسلم فهو هالك، وقد أخبر الله جل وعلا أن من كان كذلك فعليه دائرة السوء.

[الرابعة: أنه لا يسلم من ذلك إلا من عرف الأسماء والصفات وعرف نفسه].

معنى (عرف الأسماء والصفات) أن يعرف معانيها وهذه الأسماء قال عنها الرسول صلى الله عليه وسلم: (إن الله تسعة وتسعين اسماً، من أحصاها دخل الجنة) قال العلماء: (أحصاها): أطاق العمل بها بعد معرفة معانيها، كما قال الله جل وعلا: {عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ} [المزمل:٢٠] يعني: لن تطيقوا الأوامر كلها، ولكن عليكم من العمل ما تستطيعون فلابد من المعرفة والإيمان بذلك ثم العمل.

والحقيقة أن معرفة أسماء الله جل وعلا هو الفقه الأكبر الأعظم الذي يجعل الإنسان عالماً بالله جل وعلا.

والعلماء ثلاثة أقسام: عالم بالله عالم بأحكامه، وهذا هو الصنف الكامل، وهو الذي يكون منه من يخشى الله جل وعلا، كما قال جل وعلا: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر:٢٨].

والثاني: عالم بالله غير عالم بالأحكام، وهذا منطبق على أهل التقى وأهل التعبد الذين قصروا أنفسهم على ذلك ولم يتعرفوا على الأحكام التي على المكلفين وتنزيلها من كتاب الله وأحاديث رسوله صلى الله عليه وسلم، وإنما يهتمون بأنفسهم فقط.

الثالث: عالم بالأحكام غير عالم بالله، وهذا يكون من الهالكين، ولهذا أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أن القضاة ثلاثة، اثنان في النار، وواحد في الجنة، فاللذان في النار أحدهما لم يعرف الأحكام فقضى بين الناس بالجهل فهو مخطئ وإن أصاب ما دام أنه غير عالم؛ لأنه سيتخبط، وتخبطه يدعوه إلى النار، والثاني عرف حكم الله ولكنه قضى بخلافه فهو في النار، والثالث عرف الحق وقضى به فهو في الجنة، فالعلماء أقسام مثل هذا التقسيم، ومثل ذلك الفتوى والتعليم، وكل ما يتصل بالناس ويتعلق بأحكام الله جل وعلا فهو على هذا المنوال، فالذي يكون عالماً بالله هو الذي يعلم معاني أسمائه جل وعلا وصفاته.

وذلك أن الله جل وعلا يخبر عن نفسه بأخبار يريد من العباد أن يفهموها ويفقهوها، ويخبر عن نفسه بالصفات وبالأسماء وبالأفعال التي يفعلها حتى يتعرفوا على ربهم جل وعلا، فالمؤمنون عرفوا الله جل وعلا بأسمائه وصفاته وأفعاله كما أنه في فطرهم إيمان يدعوهم إلى أن يعبدوا الله جل وعلا، فهؤلاء هم العلماء الذين يكونون علماء بالله جل وعلا.

فالله ليس كمثله شيء، فلا يقاس عليه تعالى وتقدس أحد، فليس هناك طريق إلى معرفة الله جل وعلا إلا عن خبره الذي أخبر به عن نفسه وجاء به رسوله صلى الله عليه وسلم.

ومن هنا يتبين خطأ الذين يقولون: إن النظر في أسماء الله وصفاته والتعمق في ذلك لا داعي له؛ لأنه ليس عملياً.

وهذا يدل على الجهل العظيم؛ لأن هذا هو أصل العلم الذي تكون به السعادة، والواجب على العبد أن يتعرف على ربه جل وعلا بأسمائه التي عرف بها عباده، كما قال جل وعلا: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} [الأعراف:١٨٠]، ففي هذه الآية وغيرها يخبر جل وعلا أن له الأسماء الحسنى، ويأمر بدعائه بها، أي: أن يُعبد بها، ومن عبادته تعلمها واعتقاد معناها ثم العمل على ما اعتقده.