للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أنواع الكتابات]

والكتابات التي جاء ذكرها في النصوص متعددة: أولها: ما ذكر سابقاً، وهي الكتابة العامة الشاملة، فهي شاملة لجميع ما يقع بجميع ما يكون.

وبعدها كتابة أخرى بعد وجود آدم، فإن الله جل وعلا استخرج ذريته وميز بعضهم من بعض، وجعلهم فريقين: فريق في السعير، وفريق في الجنة، كما جاءت النصوص في ذلك، فهذه الكتابة أخص، وهي متفقة مع الكتابة الأولى، وإنما هي مؤكدة لذلك، وليس فيها زيادة ولا نقص عنها.

ثم كتابة ثالثة وهي الكتابة العُمْرية التي تكون خاصة لكل إنسان، أو التي تكون بيد الملك يكتبها في صحيفة ابن آدم، تكتب وهو في رحم أمه بعدما ينفخ فيه الروح، فيكتب رزقه وأجله وشقي أو سعيد، فهذا الملك يطلع على هذا الشيء بعد نفخ الروح فيه.

وكتابة سنوية، يكتب في السنة كل ما سيقع فيها: من حوادث ومن موت ومن حياة ومن إعزاز ومن إذلال ومن ملك ومن نزع الملك ومن إيمان أو كفر أو عمل أو غير ذلك، كما قال جل وعلا: {حم * وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ * إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ * أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ} [الدخان:١ - ٥] يعني: في هذه الليلة يفرق كل أمر حكيم، يعني: كل أمر يقع في هذه السنة يكتب ويعلن وتعلمه الملائكة، ويقول جل وعلا في الآية الأخرى: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} [القدر:٢ - ٦].

{إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} [القدر:١ - ٣] وهي التي يفرق فيها كل أمر حكيم، هذه الليلة ليلة القدر، وهي في رمضان في كل سنة.

وهناك كتابة يومية، وهي المذكورة في قوله جل وعلا: {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} [الرحمن:٢٩] تعالى وتقدس، جاء في الآثار: (كل يوم في شأن) يحيي ويميت، ويعز ويذل، ويرفع قوماً ويخفض آخرين، ويدبر شئون خلقه في كل يوم.

هذه الكتابات التي جاءت في النصوص، وكلها راجعة إلى الكتابة الأولى التي هي في اللوح المحفوظ.

فقوله: (فجرى في تلك الساعة بما هو كائن إلى يوم القيامة) هذا يدلنا على أن المكتوب هو ما سيقع لهذا الخلق في هذا العالم إلى قيام الساعة، أما بعد قيام الساعة فشيء لم يكتب، ولكن الله أخبرنا أن الجنة دائمة دوام السماوات والأرض، ومن فيها مخلدون منعمون، وأن النار كذلك دائمة دوام السموات والأرض، وأن من فيها {لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ} [فاطر:٣٦]، فهم باقون معذبون، هذا في العموم، أما تفاصيل أمورها وما سيكون فالله أعلم بذلك.