للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حقيقة الخير والشر في القدر]

[قوله: (وعن عبادة) قد تقدم ذكره في باب فضل التوحيد، وحديثه هذا رواه أبو داود، ورواه الإمام أحمد بكماله قال: حدثنا الحسن بن سوار، حدثنا ليث عن معاوية عن أيوب بن زياد، حدثني عبادة بن الوليد بن عبادة، حدثني أبي قال: (دخلت على عبادة وهو مريض أتخايل فيه الموت، فقلت: يا أبتاه! أوصني واجتهد لي.

فقال: أجلسوني.

قال: يا بني! إنك لن تجد طعم الإيمان، ولن تبلغ حقيقة العلم بالله حتى تؤمن بالقدر خيره وشره قلت: يا أبتاه! فكيف لي أن أعلم ما خير القدر وشره؟ قال: تعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، وما أصابك لم يكن ليخطئك.

يا بني! سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن أول ما خلق الله القلم فقال له: اكتب.

فجرى في تلك الساعة بما هو كائن إلى يوم القيامة) يا بني! إن مت ولست على ذلك دخلت النار)، ورواه الترمذي بسنده المتصل إلى عطاء بن أبي رباح عن الوليد بن عبادة عن أبيه، وقال: حسن صحيح وغريب].

السبب في هذه الوصية أن إنكار القدر ظهر في وقت عبادة بن الصامت، ولهذا أوصى ابنه بذلك، وهذا يدل على أن الذي لا يؤمن بالقدر ليس بمؤمن، وأنه إذا مات لم يقبله الله.

وقوله: (تؤمن بالقدر خيره وشره) جعل في القدر خيراً وشراً، والقدر -كما سبق- قدرة الله ومشيئته وعلمه وكتابه، والشر لا يكون إلى الله جل وعلا، بل كل ما يفعله الله خير وحسن وجميل وحكمة، ولكن الشر بالنسبة للمخلوق؛ لأن الشر سببه الذنب، ولو لم يكن هناك ذنب ما كان هناك شر أصلاً، فيكون الشر بالنسبة للمخلوق، وأما إيقاعه من الله جل وعلا فهو عدل، ليس شراً بل هو خير وعدل يحمد عليه ويشكر عليه جل وعلا.

[وفي هذا الحديث ونحوه بيان شمول علم الله تعالى وإحاطته بما كان ويكون في الدنيا والآخرة، كما قال تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا} [الطلاق:١٢].

وقد قال الإمام أحمد رحمه الله لما سئل عن القدر قال: القدر قدرة الرحمن.

فاستحسن ابن عقيل هذا من أحمد رحمه الله، والمعنى أنه لا يمنع عن قدرة الله شيء ونفاة القدر قد جحدوا كمال قدرة الله تعالى فضلوا عن سواء السبيل، وقد قال بعض السلف: ناظروهم بالعلم فإن أقروا به خصموا، وإن جحدوه كفروا].

هذا القول قاله الشافعي رحمه الله، ومقصوده ما دام أنهم أنكروا القدر فيسألون: هل الله عليم؟ هل علم الله شامل لكل شيء؟ فإن أقروا بهذا؛ قيل لهم: القدر علم الله وخصموا بذلك؛ لأن القدر عبارة عن علم الله السابق الأزلي لكل شيء، فإنه علم أن الخلق سيوجدون وسيعملون كذا، وستكون عاقبتهم كذا، فكتب ذلك جل وعلا، فإذا أقروا به ألزموا بترك مذهبهم، أما إن أنكروا العلم فقد كفروا وخرجوا من الدين الإسلامي، والكافر لا فائدة في مجادلته ولا في مناظرته، والكفر كله ملة واحدة، كون الكافر يترك ركناً من أركان الإسلام، أو ينفي عن الله صفة من صفاته، أو يترك الصلاة، أو يكفر بالرسول صلى الله عليه وسلم، أو يكفر بالكل، أو يكون نصرانياً أو يهودياً كله سواء، فالكفر شيء واحد.

وإذا انتقل الكافر من دين إلى دين فهو كافر في الأول وفي الآخر، بخلاف الدين الحق، فإنه لا يجوز أن يتركه، وإن قدر أنه أراد تركه لا يترك، فإما أن يراجع، وإما أن يقتل.