للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الرد على نفاة القدر]

[وقد ثبت في صحيح مسلم من رواية عبد الله بن وهب وغيره عن أبي هانئ الخولاني عن أبي عبد الرحمن الحبلي عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله كتب مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة -زاد ابن وهب: وكان عرشه على الماء) رواه الترمذي وقال: حديث حسن غريب].

هذا الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص يدل على أن العرش كان مخلوقاً قبل القلم، وأنه فوق الماء، وسبق ذكر ذلك.

[وكل هذه الأحاديث وما في معناها فيها الوعيد الشديد على عدم الإيمان بالقدر، وهي الحجة على نفاة القدر من المعتزلة وغيرهم، ومن مذهبهم تخليد أهل المعاصي في النار، وهذا الذي اعتقدوه من أكبر الكبائر وأعظم المعاصي].

مذهب المعتزلة شاركهم فيه الخوارج، وللمعتزلة أصول خمسة بدل أصول الإسلام الخمسة التي قالها الرسول صلى الله عليه وسلم -كما في حديث عبد الله بن عمر المتفق عليه-: (بني الإسلام على خمس: شهادة ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلاً) هذه خمسة أصول، وهؤلاء المبتدعة الضلال جاءوا بأصول خمسة أخرى، وسموها (أصول الإسلام) من عندهم بدل الأصول التي قالها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكلها ضلال، وهذه الأصول هي: الأول: التوحيد.

وما هو التوحيد؟ هل التوحيد عندهم: شهادة ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله؟ كلا.

التوحيد عندهم نفي الصفات، فعندهم أن الله لا يتصف بصفة، وأن الله ليس فوق، وأن الله لا ينزل إلى السماء الدنيا، وأن الله ليس له سمع ولا بصر ولا شيء من سائر الصفات، هذا يسمونه توحيداً؛ لأن التوحيد عندهم أن يكون واحداً لا صفات له، وهذا من أعظم الضلال، كيف يكون هذا من أصول الإسلام؟ الأصل الثاني: العدل.

ومعناه عندهم أنهم يوجبون على الله أشياء من عند أنفسهم، يجب أن يفعل كذا، ويجب ألا يفعل كذا، تحكماً وضلالاً، نصبوا أنفسهم موجبين ومحرمين على الله جل وعلا وعلى شرعه.

الثالث: المنزلة بين منزلتين.

ومعناها عندهم أن الإنسان إذا عمل كبيرة خرج من الدين الإسلامي ولم يدخل في الكفر، فصار بين الإسلام والكفر، لا مسلماً ولا كافراً، فهذا القول من أين أتى؟ وما دليل ذلك؟ وقالوا: إذا مات صار في النار.

وهذا عجيب، في الدنيا يكون بين الإسلام وبين الكفر، وفي الآخرة يكون مع الكفار في النار.

الرابع: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

وعندهم أن الأمر بالمعروف هو الخروج على الأئمة، أي: يجب أن يخرجوا على الأئمة إذا لم يكونوا على مرادهم، ولا داعي إلى ذكر سائر ضلالاتهم؛ لأن إماتة الضلال وعدم ذكره أولى من ذكره؛ لأنه كله ضلال في الواقع، وليس فيه شيء من الحق، فالحق فيما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكن المشكل أن هذا المذهب الخبيث بعث الآن من جديد، وصار له أناس يناصرونه، وصارت كتبهم تطبع وتنشر بين الناس، وصار هناك من يعتنق هذا المذهب، وهذا بسبب المستشرقين الكفار الذين صاروا يبحثون في كتب المسلمين، ويطلبون الشيء الذي يقدحون به في عقيدة المسلمين فيعملون على نشره، فصار لهم تلامذة من المسلمين يتبنون آراءهم وأفكارهم، وبسبب ذلك بعث هذا المذهب الذي مات منذ زمن طويل، إلا أنه يوجد هذا المذهب في طوائف مثل الإباضية والرافضة، فهذا المذهب موجود فيهم وإن لم يكن كله فيهم، وإنما أجزاؤه، مثل نفي الصفات، ونفي العلو، ونفي رؤية الله جل وعلا يوم القيامة، والقول بخلق القرآن، وأن الله لا يتكلم، وما أشبه ذلك.