للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ما جاء في المصورين من الوعيد]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ما جاء في المصورين.

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قال الله تعالى: ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي؟ فليخلقوا ذرة أو ليخلقوا حبة أو ليخلقوا شعيرة أخرجاه)].

المعنى: ما جاء في المصورين من العذاب الشديد، ووجه إدخال هذا الباب في كتاب التوحيد: أن المصور وعد بوعيد شديد يدل على أنه من أهل النار، وأنه يبقى معذباً، ويكلف أن يخلق الصورة التي صورها ويجعل فيها الروح، حتى تكون حية مثل الصورة التي تضاهيها وتشابهها، وهذا ممتنع، وتكليفه لا ينقطع، فيستمر بهذه الحال إلى أن ينفخ فيها الروح، وهذا غير ممكن، ولهذا يقول العلماء: إن هؤلاء وعدوا بعذاب لم يعذب به أحد من الناس، وجاءت نصوص كثيرة في ذلك جداً يتعجب الإنسان من كثرتها، ولكن هذا دليل على أن من قالها يقولها عن وحي، وعن علم غيب مما أعلمه الله جل وعلا بأنه سيكون، ولم تكن الصور قديماً منتشرة ولا كثيرة مثل اليوم، فقد ابتلي بها الناس، فأصبحت لا تجد بيتاً إلا وهو مملوء بالصور، سواءً في الملابس، أو في الأواني، أو في الصحف، أو في الكتب، أو في غير ذلك.

وقد صحت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أن البيت الذي فيه صورة لا تدخله الملائكة، والمقصود بهم ملائكة الرحمة، أما الملائكة الذين يسجلون على الإنسان أعماله فهؤلاء يضطرون إلى شيء يكرهونه، ويصبح الإنسان الذي عمل هذا العمل أو رضي به وأقره آثماً، لكونه أكره عباد الله المكرمين على شيء لا يريدونه، ولا ينظرون إليه، ولا يدخلون المنزل الذي هو فيه.

ثم في هذا الحديث بين علة التحريم وعلة العذاب، قال: (ومن أظلم) يعني: لا أحد أظلم، (ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي) ومعنى يخلق كخلقي: أنه يصور الشيء الذي فيه الروح، (ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي) ثم جاء الأمر بالتعجيز فقال: (فليخلقوا ذرة) وهي من أصغر المخلوقات، يعني: فليوجدوا ذرة حقيقة تكون حية فيها روح وحياة، فإن لم يستطيعوا ذلك فليوجدوا من العدم ما هو أقل من هذا وهو حبة شعير، أو حبة بر، فلا يستطيعون، ولو اجتمع كل من في الأرض على أن يوجدوها ما استطاعوا، وهذا تعجيز لهم، ومعنى يضاهئون الله: يشابهونه بأن يوجدوا الصورة التي خلقها الله.

فهذا أمر تعجيزي لهم؛ ولهذا استحقوا شدة العذاب، أما إذا كان التصوير لشيء لا روح فيه، فلا بأس به؛ لأنه قال: (ليخلقوا ذرة أو ليخلقوا حبة)، فدل على أن الشيء الذي لا روح فيه لا بأس بتصويره مثل: الجبال والشجر وما أشبه ذلك؛ ولهذا لما جاء رجل إلى ابن عباس يستفتيه، وأخبره أنه يعمل الصور، فصار يقول له: ادنو، حتى جلس أمام ركبتيه فقال له: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (أشد الناس عذاباً يوم القيامة المصورون)، ثم قال له: إن كنت فاعلاً ولابد فالجبال والشجر، يعني: تصور الجبال والشجر.