للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حكم الرقية]

اختلف العلماء في حكم الرقية، فمنهم من كرهها لهذا الحديث وأشباهه، ومنهم من استحبها وقال: هي مستحبة.

وإذا كانت مستحبة فالإنسان يثاب عليها، ومنهم من فصل، ولكن مع هذا كله يجب أن تكون الرقية مأذوناً بها شرعاً، فتكون بآيات الله والأدعية التي يدعى بها الله جل وعلا بأسمائه وأوصافه، وقد قال السيوطي رحمه الله: أجمعوا على أن الرقية إذا اجتمع فيها ثلاثة شروط أنها جائزة: الشرط الأول: أن تكون باللغة العربية، وبما يعرفه الناس.

الثاني: ألا يكون فيها شيء ممنوع مما يكون شركاً أو وسيلة إلى الشرك.

الثالث: أن يكون معتمداً على الله ولا يعتقد أنها تؤثر بنفسها، وإنما بإذن الله جل وعلا.

وسيأتي الكلام في الرقية، والصواب أن الرقية مستحبة إذا كان الإنسان يرقى نفسه، أو كانت رقية بلا طلب فلم يطلب من غيره أن يرقيه، وأما الذي يمنع من السبق إلى الجنة هو الاسترقاء، وهو طلب الرقية من الآخرين، وكونه يأتي إلى غيره ويسأله؛ لأن المسألة فيها افتقار القلب إلى غير الله جل وعلا، وهو نوع من الحاجة لغير الله، والحاجة قد تكون شركاً، والمسلم يجب أن يكون غنياً عن الخلق كلهم لله جل وعلا، ويكون فقره إلى الله وحده، ويكون افتقاره إلى ربه وحده، أما الخلق فيستغني عنهم جميعاً حتى يكون عبداً لله حقاً، فلا يؤخذ من قلبه ما يأخذه صاحب المنة والفضل عليه؛ لأن كما قيل: احتج إلى من شئت تكن فقيره أو أسيره، وأنعم على من شئت تكن أميره.

فقد جبلت القلوب على الميل والخضوع لمن أحسن إليها، فهذا في الواقع هو السبب في المنع من الاسترقاء، أما الرقية بنفسها فهي جائزة، بدليل أن الرسول صلى الله عليه وسلم رقى ورقي، رقاه جبريل عليه السلام ولكن بدون طلبه، وإنما عرض عليه عرضاً فقبل العرض، وهو صلوات الله وسلامه عليه رقى الحسن والحسين وغيرهما، والراقي محسن إلى غيره، والإحسان هو الطريق للسبق إلى الجنة، أما ما وقع في صحيح مسلم من هذا الحديث أنه قال: (لا يرقون ولا يسترقون) فقد حكم الحفاظ على كلمة (يرقون) أنها وهم من الراوي، وإنما الصواب: (يسترقون)؛ لأن الراقي محسن إلى غيره، والإحسان ما يكون مانعاً من السبق إلى الجنة، والعلة في ذلك هي ما ذكرنا فقط.