للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الرد على المتعلقين بالقبور]

قال الشارح رحمه الله: [ومنها: إيذاء أصحابها بما يفعله المشركون بقبورهم، فإنهم يؤذيهم ما يفعل عند قبورهم ويكرهونه غاية الكراهية، كما أن المسيح عليه السلام يكره ما يفعله النصارى عند قبره، وكذلك غيره من الأنبياء والأولياء والمشايخ يؤذيهم ما يفعله أشباه النصارى عند قبورهم، ويوم القيامة يتبرءون منهم، كما قال تعالى: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ * قَالُوا سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا} [الفرقان:١٧ - ١٨]، قال الله تعالى للمشركين: {فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ} [الفرقان:١٩]، وقال تعالى: {وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ} [المائدة:١١٦]، وقال تعالى: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهَؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ * قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ} [سبأ:٤٠ - ٤١]].

من المعلوم أن الله جل وعلا خلق الخلق ليعبدوه وحده، والإنسان خلق عابداً، فلابد له من العبادة، ولا ينفك عن العبادة بحال من الأحوال، فإن لم يعبد الله عبد الشيطان ولابد، فإما أن يعبد الإنسان ربه، ويفعل ما أمر به، ويلقى الجزاء من الله والثواب، وتكون حياته سعيدة، وعاقبته حميدة، أو ينصرف عن أمر الله وما خلق له ويكون عابداً للشيطان، أو عابداً لشهواته أو للمظاهر الأخرى من مظاهر الدنيا، حتى الذين يزعمون أنهم متحررون، وأنهم ملحدون، ولا يؤمنون بدين ولا بإله ولا بجزاء ولا ببعث؛ لا ينفكون عن العبادة، فهم يعبدون رؤساءهم وكبراءهم وطغاتهم، ويعبدون شهواتهم، ثم إن كثيراً من الناس الذين أرسل الله جل وعلا إليهم الرسل كانوا منصرفين عن عبادة الله والإخلاص له في الدعاء والرغبة والرهبة والخوف والرجاء، وإنما يعبدون الله بالأمور الظاهرة الجلية، مثل كون الرب جل وعلا هو الذي خلقهم، وهو الذي يرزقهم، وهو الذي يتصرف في المخلوقات وفي الكون وحده؛ لأنهم لا يستطيعون أن ينكروا هذا، ولا يستطيعون أن يجعلوا أحداً من الخلق مشاركاً لله جل وعلا في ذلك، فانصرفوا إلى أمر آخر، وهو أنهم صاروا يتعلقون بالأولياء، ويقولون: إنهم يشفعون لنا، ويتوسطون لنا عند الله جل وعلا، ونحن نطلب منهم التوسط والشفاعة وهم يقربونا إلى الله زلفى، فهذا هو أصل شرك المشركين، وإلا لا يوجد عاقل يعبد مخلوقاً مثله؛ لأنه يملك له كل ما طلب منه، ويصرف عنه كل ما خافه ورهبه، لا يوجد مثل هذا، وإنما الموجود جعل بعض المخلوقين وسائط يجعلهم بينه وبين ربه، ويزعم بأن الطلب عن طريقهم أقرب إلى الإجابة؛ تسويلاً من الشيطان، وتحسيناً من العقل، وقياساً على ما هو موجود بين الخلق؛ لأن الخلق تعارفوا على أنه إذا كان هناك عظيم من الناس -رئيس أو ملك أو أمير- فالإنسان العادي لا يذهب إليه رأساً ويطلب منه، بل لابد أن يأتي إلى من هو قريب منه، كوزير، أو قريب، أو صديق فيتقدم إليه ويطلب منه أن يتوسط له عنده ويشفع له، فقاسوا رب العالمين على هذا في الأصل، فصاروا يتعلقون بالأولياء، ويطلبون منهم الشفاعة، ويطلبون منهم الوساطة، وهذا هو الشرك الذي أرسل الله جل وعلا الرسل للإنذار منه، ودعوة الناس إلى الإقلاع عنه، وجعل الدعاء والطلب لله وحده، ولا يكون بين العبد وبين ربه وساطة، فالله جل وعلا يعلم ما في النفوس، وهو مطلع على عباده، ويسمع كلامهم، ويرى تقلباتهم، ولا يخفى عليه شيء من أحوالهم، فيجب أن ينزلوا فقرهم به، وأن يسألوه بلا واسطة، وأن يتعلقوا به، ويعلقوا به حاجاتهم وكل ما يهمهم، وهذه هي العبادة التي يجب أن تكون لله جل وعلا.

ومن هذا الباب أصبح كثير من المسلمين يذهب أحدهم إلى القبور زاعماً أن أصحابها أولياء أو أنبياء، فيطلب منهم الوساطة، ويطلب التشفع، ويطلب أن يقربوه إلى الله، وهو يقول بزعمه: هذا أقرب إلى الإجابة!