للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[وجوب التعلق بالله وحده]

لما بعث صلوات الله وسلامه عليه صار يقول للناس: (قولوا: لا إله إلا الله)، فكان هذا هو أول ما أمرهم به، ومعنى لا إله إلا الله أن يكون التأله -الذي هو حب القلب وخوفه ورجاؤه- لله وحده، ما يكون القلب متعلقاً بغير الله جل وعلا، وكل شيء تتعلق به القلوب من غير الله يجب أن يبطل وأن ينصرف عنه، فليس لأحد من الخلق من الألوهية شيء، وإنما هو مجرد أوضاع تواضع عليها الآباء واتبعهم عليها الأبناء، كما قال الله جل وعلا: {إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ} [النجم:٢٣]، يعني: مجرد أسماء سموها الآلهة، وليس لها من معنى الإلهية شيء، فالإلهية يجب أن تكون لله، والتأله هو حب القلب وخوفه ورجاؤه، ثم كانوا مختلفين، منهم من يعبد شجراً، ومنهم من يعبد حجارة، ومنهم من يعبد الجن، ومنهم من يعبد الملائكة، ومنهم من يعبد عباداً صالحين دفنوا كاللات على قراءة التشديد، فقد جاء عن ابن عباس وغيره من السلف: أنه كان رجلاً يلت السويق بالسمن، ثم يقدمه لمن يأتي إليه من الحجاج وغيرهم، فلما مات دفن تحت صخرة في الطائف فعبد، وصاروا يعكفون عنده للتبرك، ويطوفون بقبره، ويأتونه سائلين أن يشفع لهم عند الله، فكانت هذه هي عبادتهم، وما كان أحد منهم يأتي إليه ويقول: أنزل المطر أنبت النبات ادفع عني العدو أعطني الصحة، وأزل المرض مني، ما كان أحد يقول هذا ولا يعتقده، وإنما كانوا يجعلونهم وسطاء، ويقولون: اسأل لنا الله أن يفعل لنا كذا وكذا؛ لأنهم يزعمون أنه أقرب إلى الله منهم، ولم يفرق الرسول صلى الله عليه وسلم بين هؤلاء، ومعلوم في التواريخ وكتب السيرة أن الشيطان كان يأتي أحياناً في هذا البناء الذي يبنونه أو تحت الشجرة التي يعظمونها -مثل: العزى- فيكلمهم ليضلهم؛ لأنهم حين يسمعون الكلام يعتقدون أنه يستجيب لهم.