للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تكسير النبي صلى الله عليه وسلم للأصنام]

لما فتح الرسول صلى الله عليه وسلم مكة أرسل خالد بن الوليد لهدم العزى، وعلي بن أبي طالب لهدم مناة، ومناة كانت عبارة عن صخرات قرب كديد بين مكة والمدينة، كان الأنصار قبل الإسلام إذا ذهبوا للحج أو العمرة، لابد أن يمروا بها ويذبحوا عندها الذبائح، ويعكفوا عندها، وهذه هي العبادة، ولما أرسل خالد بن الوليد إلى العزى وجد عندها السدنة، فهدم بيتها، وقطع الشجر، وكانت عبارة عن ثلاث شجرات مجتمعة، وكانوا يجعلونها أكبر معبود لهم، ولما رجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ماذا صنعت؟ قال: هدمت البيت، وقطعت الشجرات، قال: هل رأيت شيئاً؟ قال: لم أر شيئاً، قال: لم تصنع شيئاً، اذهب فاهدم العزى) فرجع فلما وصل إليها رأى امرأة عجوزاً ناشرة شعرها، تحثو التراب على رأسها، وتدعو بالويل، فطعنها بالسيف وقتلها، والسدنة يشتدون في الجبل ويقولون: يا عزى! انتصري، يا عزى! عليك بـ خالد، فقتلها ورجع، ولما رجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: (هل رأيت شيئاً؟ قال: نعم، رأيت عجوزاً صفتها كذا وكذا فقتلتها، فقال: تلك العزى، لا عزى بعد اليوم، هذا شيطان العزى الذي كان فيها).

ولما دخل مكة صلوات الله وسلامه عليه وجد حول الكعبة ثلاثمائة وستين صنماً منصوباً حول الكعبة، أصنام من أحجار وخشب وطين، يصورونها ويعبدونها، فجعل يضربها بعصا معه ويقول: {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا} [الإسراء:٨١]، وهي تتساقط من حين يشير إليها صلوات الله وسلامه عليه، فالمقصود أنهم ما كانت عبادتهم أنهم يعتقدون أنها تتصرف مع الله، وأنها تخلق وتحيي وتميت، وكذلك الذي يذهب إلى قبر الولي ويقول: أنا لا أذهب إليه لأدعوه، وإنما أذهب أتوسل به، وأتشفع به، وأجعله وسيلة لي أو شافعاً لي أطلب منه ذلك، فنقول: هذه هي عبادة المشركين نفسها، فالمشركون ما كانوا يعتقدون أن هذه الأصنام وهذه المعبودات تتصرف مع الله، وأنها تخلق، وترزق، وتحيي، وتميت، وتجلب المطر، وتنبت النبات، وتفعل ما طلبوا منها، لا، ولكن مثلما قال الله عنهم: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر:٣]، والعبادة هي الدعاء، فإن مجرد كونهم يدعونهم: افعلوا بنا كذا، اصرفوا عنا كذا، هذه هي العبادة، وليست العبادة السجود والركوع لهم كما يتصوره بعض الناس الذين ينافحون ويجادلون عن الوثنية وعبادة القبور، ويقولون: العبادة هي أن تعتقد أن هذا الذي تدعوه يحيي ويميت، وإلا ما تكون عبادة بل تكون توسلاً، يقولون هذا لأنهم جهلوا معنى العبادة، وجهلوا حقيقة دعوة الرسل التي أرسلهم الله جل وعلا بها؛ ولهذا السبب صار تعلق الناس بالقبور وزيارتها والطواف بها والتمسح بها والتبرك، وأخذ شيء من ترابها والإقامة عندها موجوداً بكثرة، وكذلك البناء عليها تعظيماً لها، وكذلك جعلها في المساجد، فإن هذا كله من فعل المشركين، وهو صارف عن عبادة الله جل وعلا، وربما يكون فاعله مشركاً شركاً أكبر، إذا مات على هذا يكون ميئوساً منه، نسأل الله العافية، فيكون من أهل النار؛ لأن الله جل وعلا يقول: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء:٤٨]، فإذا كان أمر الشرك بهذه الشدة وهذه العظمة، فيجب على العبد أن يتعرف على الشرك؛ خوفاً من أن يقع فيه وهو لا يدري أنه شرك، ويظن أنه عبادة وأنه عمل صالح، وهو مما يبعد عن الله جل وعلا.