للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[سبب محق الحلف للبركة]

إذا اعتاد الإنسان الحلف رأى أنه لا يستغني عنه، وتصبح أموره كلها ممحوقة، نسأل الله العافية، ولا خير في مخالفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن تصور الإنسان أنه في المخالفة يتحصل على كسب؛ فإن هذا الكسب ممحوق البركة، لا ينتفع به لا في استعماله ولا في تحصيله واقتنائه.

أما كون الإنسان يحلف وهو كاذب فقد سبق أن هذا ليس هو المقصود من الحديث، فهذا أمر آخر، وهي اليمين الغموس التي هي من الكبائر، ولكن المقصود كثرة الحلف على الشيء وهو صادق، والسبب في هذا أن الدنيا كلها ينبغي ألا يهتم بها المسلم اهتماماً بحيث أنه يذكر اسم الله جل وعلا عليها؛ جالباً بذلك المنفعة والمصلحة منها، وإنما يذكر اسم الله جل وعلا على العبادات وعلى الأمور التي يراد بها الآخرة، فالدنيا لا ينبغي ذكر اسم الله عليها بالحلف؛ لأن هذا يدل على الرغبة فيها والتعلق بها.

وعلى المسلم أن تكون رغبته وتعلقه بالآخرة أكثر، أما في الدنيا فينبغي أن يلاحظ أموراً: الأمر الأول: أن يعرف المهمة من وجوده في هذه الحياة، فإنه وجد لعبادة الله جل وعلا، فلا يخالف أوامر الله، ولا يرتكب نواهيه.

الأمر الثاني: أن يعلم أنه يجب عليه أن يحب لأخيه المسلم ما يحب لنفسه، فإذا كان يعرف أن هذا الشيء فيه عيب لا يعلمه المشتري فيبينه، ولا يحلف له ويغره، وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)؛ ولهذا لما جلب بعض السلف سلعة قال له من أراد أن يشتريها: أترضاها لي؟ فقال: أنا ما رضيتها لنفسي حتى أرضاها لك! انظر مع أنه لم ير فيها عيباً، ولكنه رغب عنها.

فينبغي أن يكون دين الإنسان أهم عنده من أمور الدنيا، فإذا أقدم على الحلف فهذا يدل على رغبته في الدنيا، وعلى استخفافه بالحلف بالله جل وعلا وعدم توقيره لله جل وعلا، وهذا هو المقصود من قوله هذا: (الحلف منفقة للسلعة) وهو مجرد الحلف، فمعنى هذا: أن يكون الحلف منهياً عنه أصلاً في البيع والشراء، فينبغي للإنسان أن يجتنب الحلف.